
سميت سورة التوبة بهذا الاسم لما فيها من توبة الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوا في ساعة العسرة من بعد ما كان يزيغ قلوب فريق منهم وعلى الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.
والسورة مدنية ما عدا آيتين مكيتين، وهي من سور المئين، وهي الوحيدة في السور المدنية، وعدد آياتها 129 آية، والسورة التاسعة في ترتيب المصحف، وقد نزلت بعد سورة المائدة.
سورة التوبة وخواصها
الاسم الأشهر لهذه السورة {بَرَاءَةٌ} [التوبة من آية:1]؛ فقد سميت بهذا الاسم في أكثر المصاحف، وجاءت هذه التسمية عن كثير من السلف. ففي (صحيح البخاري)، عن زيد بن ثابت، قال: "آخر سورة نزلت سورة براءة". وبذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه. وسبب هذه التسمية أن أول كلمة وردت في هذه السورة هي كلمة {بَرَاءَةٌ} [التوبة من آية:1]. ويمكن أن يقال: إنها سميت بذلك؛ لأنه سبحانه ذكر فيها براءته من المشركين. وسميت (التوبة)، جاءت هذه التسمية في أقوال بعض الصحابة رضي الله عنهم، من ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: "سورة التوبة هي الفاضحة". وترجم لها الترمذي في جامعه باسم (التوبة)؛ لأن الله سبحانه ذكر فيها توبة الذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك. وكتبت بهذا الاسم في المصاحف أيضاً. وجاء هذان الاسمان في حديث زيد بن ثابت في (صحيح البخاري)، قال رضي الله عنه: "فتتبعت القرآن، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة من الآية:128]، حتى خاتمة سورة براءة". وهذان الاسمان هما الموجودان في المصاحف. وسميت (الفاضحة)؛ لأنها فضحت أمر المنافقين، وكشفت مؤامراتهم ودسائسهم. روي عن سعيد بن جبير، قال: "قلت لابن عباس رضي الله عنهما: سورة التوبة؟، قال: "التوبة! بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل: {وَمِنْهُم} حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا ذُكر فيها".
فوائد سورة التوبة
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال : «من قرأ هذه السورة بعثه اللّه يوم القيامة بريئا من النفاق. ومن كتبها وجعلها في عمامته، أو قلنسوته، أمن اللصوص في كل مكان، وإذا هم رأوه انحرفوا عنه، ولو احترقت محلته بأسرها لم تصل النار إلى منزله، ولم تقربه أبدا ما دامت عنده مكتوبة».
وعن علي عليه السّلام : «لم تنزل بسم اللّه الرحمن الرحيم على رأس سورة براءة لأن بسم اللّه للأمان والرحمة، ونزلت براءة لرفع الأمان بالسيف».
وعن الصادق عليه السّلام قال : «الأنفال وبراءة واحدة».
وقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا علي أمان لأمتي من السرق {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } [الإسراء : 110] إلى آخر الآية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة : 128] إلى آخرها .
سبب نزول سورة التوبة

سورة التوبة مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان وآياتها 130 وقيل 129 نزلت بعد المائدة، لها عدة أسماء: براءة، التوبة، المقشقشة، المبعثرة، المشردة، المخزية، الفاضحة، المثيرة، الحافرة، المنكلة، المدمدمة، سورة العذاب، لأنّ فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أي تبرئ منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين تبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشرد بهم وتخزيهم وتدمدم عليهم. وعن حذيفة رضي اللّه عنه: إنكم تسمونها سورة التوبة، وإنما هي سورة العذاب، واللّه ما تركت أحدًا إلا نالت منه. فإن قلت: هلا صدرت بآية التسمية كما في سائر السور؟ قلت: سأل عن ذلك عبد اللّه بن عباس عثمان رضي اللّه عنهما فقال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نزلت عليه السورة أو الآية قال: اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا، وتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبين لنا أين نضعها، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فلذلك قرنت بينهما، وكانتا تدعيان القرينتين. وعن أبى كعب: إنما توهموا ذلك، لأنّ في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود. وسئل ابن عيينة رضى اللّه عنه فقال: اسم اللّه سلام وأمان، فلا يكتب في النبذ والمحاربة، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قيل: فإنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم قد كتب إلى أهل الحرب: بسم اللّه الرحمن الرحيم. قال: إنما ذلك ابتداء يدعوهم ولم ينبذ إليهم، ألا تراه يقول: {وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى} فمن دعى إلى اللّه عزّ وجلّ فأجاب ودعى إلى الجزية فأجاب فقد اتبع الهدى، وأمّا النبذ فإنما هو البراءة واللعنة، وأهل الحرب لا يسلم عليهم، ولا يقال: لا تفرق ولا تخف، ومترس ولا بأس: هذا أمان كله.
تفسير سورة التوبة
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة مِنْ أَوَاخِر مَا نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي إسْحَاق قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء يَقُول آخِر آيَة نَزَلَتْ " يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة " وَآخِر سُورَة نَزَلَتْ بَرَاءَة وَإِنَّمَا لَمْ يُبَسْمِل فِي أَوَّلهَا لِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَكْتُبُوا الْبَسْمَلَة فِي أَوَّلهَا فِي الْمُصْحَف الْإِمَام بَلْ اِقْتَدَوْا فِي ذَلِكَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَرْضَاهُ . كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد وَمُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر وَابْن عَدِيّ وَسُهَيْل بْن يُوسُف قَالُوا : حَدَّثَنَا عَوْف عَنْ أَبِي جَمِيلَة أَخْبَرَنِي يَزِيد الْفَارِسِيّ أَخْبَرَنِي اِبْن عَبَّاس قَالَ : قُلْت لِعُثْمَان بْن عَفَّان مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَال وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَة وَهِيَ مِنْ الْمِئِينَ وَقَرَنْتُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَان : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَان وَهُوَ يَنْزِل عَلَيْهِ السُّوَر ذَوَات الْعَدَد فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْء دَعَا بَعْض مَنْ كَانَ يَكْتُب فَيَقُول ضَعُوا هَذِهِ الْآيَة فِي السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَتْ الْأَنْفَال مِنْ أَوَّل مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَة مِنْ آخِر مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن وَكَانَتْ قِصَّتهَا شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا وَخَشِيت أَنَّهَا مِنْهَا وَقُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَرَنْت بَيْنهمَا وَلَمْ أَكْتُب بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتهَا فِي السَّبْع الطُّوَل .
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ طُرُق أُخَر عَنْ عَوْف الْأَعْرَابِيّ بِهِ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَأَوَّل هَذِهِ السُّورَة الْكَرِيمَة نَزَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك وَهَمَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْضُرُونَ عَامهمْ هَذَا الْمَوْسِم عَلَى عَادَتهمْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة فَكَرِهَ مُخَالَطَتهمْ وَبَعَثَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ تِلْكَ السَّنَة لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنَاسِكهمْ وَيُعْلِم الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَحُجُّوا بَعْد عَامهمْ هَذَا وَأَنْ يُنَادِي فِي النَّاس " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " فَلَمَّا قَفَلَ أَتْبَعَهُ بِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب لِيَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ عَصَبَة لَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فَقَوْله تَعَالَى " بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله " أَيْ هَذِهِ بَرَاءَة أَيْ تَبَرُّؤ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " .
مرجع:
https://ar.wikisource.org
من مواليد القاهرة 1985، حاصلة على بكالريوس الآداب جامعة عين شمس عام 2006، متابعة وناقدة فنية، أعمل كمحررة محتوى على موقعيّ Nawa3em، وgheir، ومتخصصة في كتابة المقالات والآراء حول المسلسلات والأعمال الانتاجية الفنية، وأحاول تحسين حياة القراء والقارئات عبر هذه المقالات.