
الصيام ركن من أركان الإسلام، وهو عبادة للروح وصحة للجسد، فرضه الله عز وجل على كل مسلم، اذ قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
والصيام سبيل للتقوى، وهو تقوى القلب التي تعد غاية الإسلام وأساسه. وبين الشرع الكثير من الأحكام للصيام لتنظيم أمور العباد، وعدم وضعهم في حرج بشأن أمور دينهم. هنا نتحدث عن حكم البخور للصائم.
ما حكم شم البخور للصائم؟
نذكر هنا إن شاء الله بعض نصوص فقهاء المذاهب الأربعة مما له علاقة باستنشاق البخور، بدءاً بالمذهب الحنفي، قال في رد المحتار ما معناه: ولو أدخل حلقه الدخان بأى صورة كان الإدخال حتى لو تبخر ببخور وآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر لإمكان التحرز عنه، قال الشرنبلالي: هذا مما يغفل عنه كثير من الناس فليتنبه له ولا يتوهم أنه كشم الورد والمسك لوضوح الفرق بين هواء تطيب بالمسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله. انتهى -ومن كلامه يعلم أن استنشاق البخور يفسد الصوم وأن شمه من غير استنشاق له ولا قصد لا يفسده وكذلك الروائح الطيبة فإنها لا تفطر وهو محل اتفاق، وقد نص فقهاء المذهب المالكي على أن استنشاق البخور يفسد الصوم، قال الخرشي على مختصر خليل بن إسحاق المالكي عند قوله وبخور أي من شرط صحة الصيام ترك إيصال بخور- قال الخرشي: واستنشاق قدر الطعام بمثابة البخور إلى أن قال: ويفرق بين صانعه وغيره. انتهى، يعني البخور أي أنه يغتفر لمن يصنعه شم دخانه فلا يفطره لعسر الاحتراز منه.
قال العدوي معلقا على كلام الخرشي عل البخور: فلو وصل بغير اختياره لم يفطر، وفهم منه أن رائحة غير البخور كالمسك والعنبر لا تفطر وهو كذلك اتفاقا. انتهى.
ويلاحظ اتفاق المالكية والأحناف في هذا الحكم، ولم ير الشافعية ضررا على الصوم من استنشاق البخور، قال في تحفة المحتاج وهو يذكر فروض الصيام: والإمساك عن وصول العين إلى ما يسمى جوفا لأن فاعل ذلك لا يسمى ممسكا بخلاف وصول الأثر كالطعم والريح بالشم ومثل دخول دخان نحو البخور إلى الجوف وإن تعمد فتح فاه قصدا لذلك. انتهى.
وعند الحنابلة إذا تعمد استنشاق البخور ووصل إلى حلقه أفطر وهو قريب مما ذهب إليه المالكية والأحناف، قال في مطالب أولي النهى: وكره له -أي للصائم- شم ما لا يؤمن أن يجذبه نفس لحلق كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوه كبخور بنحو عود خشية وصوله مع نفسه إلى جوفه وعلم منه أن شم نحو ورد وقطع عنبر ومسك غير سحيق لا يفطر. انتهى، وقوله سحيق أي مسحوق.
الفرق بين الدخان والبخور في إفساد الصيام

ثمة شبهة جعلت بعض من لم يقتنع بأن البخور مفطرا يحتار في مسألة التدخين، مما أثر عليه، وعدَّ أن لازم قوله بأن البخور لا يفطر أن يقول في التدخين كذلك، فحار بفكره الأمر لأنه غير مقتنع بجعل التدخين غير مفطر وفتح المجال للعصاة، وبعد أخذ ورد جعل الكل مفطرا وفي النفس ما فيها من مسألة أن استنشاق البخور يفطر به الصائم كيف وهي مما عم بها البلوى وكانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرد نص ولا ضعيف بالقول بأنه مفطر مع عموم البلوى !.
مناقشة :
قد يعترض معترض ويقول :
مالفرق بين استنشاق البخور وبين التدخين وكلاهما له جرم يدخل في الجوف، فلماذا بعض العلماء لا يفطرون في البخور أما التدخين فيفطرون به، وما وجه التفريق، وخصوصا وأن بعض أهل العلم كابن تيمية رد على من جعل البخور مفطرا .
فظهر لنا رأي آخر فجعلو الكل مفطر سواء استنشاق البخور أو التدخين مع أن البخور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما تعم به البلوى ولم يأت نص واحد يدل على أنه مفطر ! فكيف جعلوه مفطر وهو ليس بأكل ولا شرب بل هو شم، قال في شيخ الإسلام في الفتاوى :
(وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا عَامًّا وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُلَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُحْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا تَعُمُّ بِالدُّهْنِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْبَخُورِ وَالطِّيبِ . فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُفْطِرُ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَ الْإِفْطَارَ بِغَيْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الطِّيبِ وَالْبَخُورِ وَالدُّهْنِ وَالْبَخُورُ قَدْ يَتَصَاعَدُ إلَى الْأَنْفِ وَيَدْخُلُ فِي الدِّمَاغِ وَيَنْعَقِدُ أَجْسَامًا وَالدُّهْنُ يَشْرَبُهُ الْبَدَنُ وَيَدْخُلُ إلَى دَاخِلِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ وَكَذَلِكَ يَتَقَوَّى بِالطِّيبِ قُوَّةً جَيِّدَةً فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَطْيِيبِهِ وَتَبْخِيرِهِ وَادِّهَانِهِ وَكَذَلِكَ اكْتِحَالُهُ . وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْرَحُ أَحَدُهُمْ إمَّا فِي الْجِهَادِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ مَأْمُومَةً وَجَائِفَةً فَلَوْ كَانَ هَذَا يُفْطِرُ لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مُفْطِرًا .
الفرق بين شم البخور واستنشاقه في إفساد الصيام
وصول رائحة بخور قِدر الطعام إلى الحلق بالنسبة لمن يباشر صنع الطعام أو غيره مفسد للصيام إذا حصل باستنشاقه عمدا، أما إذا حصل من غير قصد فالصيام صحيح هذا مذهب المالكية ففي حاشية الدسوقي :
( قوله فمتى وصل ) أي دخان البخور أو بخار القدر للحلق وجب القضاء أي لأن دخان البخور وبخار القدر كل منهما جسم يتكيف به الدماغ ويتقوى به أي تحصل له قوة كالتي تحصل له من الأكل، واعلم أن محل وجوب القضاء بوصول البخور وبخار القدر للحلق إذا وصل باستنشاق، سواء كان المستنشق صانعه أو غيره، وأما لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء لا على الصانع ولا على غيره على المعتمد، خلافا لمن قال إذا وصل بغير اختياره فلا قضاء على صانعه وعلى غيره القضاء، قياسا على ما يأتي في مسألة تراب الكيل كذا قرر شيخنا.
لكن هل على من يباشر صناعة الطعام التحرز من استنشاق ريحه حسب استطاعته بحيث يضع طرف ثوبه على أنفه وفمه إن أمكن هذا محل تردد عندهم وينبغي الاحتياط بالخروج من هذا الخلاف بوضع شيء على الفم والأنف إن أمكن. ففى حاشية العدوى على شرح الخرشى المالكى : وأما غبار غير الطريق فالقضاء في دخوله في حلقه فيما يظهر، وانظر إذا كثر غبار الطريق وأمكن التحرز منه بوضع حائل على فيه هل يلزم بوضعه أم لا ؟ وهو ظاهر كلام غير واحد كذا في بعض الشراح. انتهى
وعند الشافعية لا يفسد الصيام باستنشاق بخورقِدرالطعام أوغيره ولوحصل ذلك عمدا ففى فتوحات الوهاب لسليمان الجمل : ويؤخذ من هذا أن وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى جوفه لا يضر وإن تعمد ذلك قال شيخنا وهو ظاهر وبه أفتى الشمس البرماوي لما تقرر أن الرائحة ليست عينا أي عرفا إذ المدار هنا عليه وإن كانت ملحقة بالعين في باب الإحرام ألا ترى أن ظهور الريح , والطعم ملحق بالعين فيه لا هنا وقد علم من ذلك أن صورة المسألة أنه لم يعلم انفصال عين هنا أي بواسطة الدخان.
مرجع:
/www.islamweb.net
من مواليد القاهرة 1985، حاصلة على بكالريوس الآداب جامعة عين شمس عام 2006، متابعة وناقدة فنية، أعمل كمحررة محتوى على موقعيّ Nawa3em، وgheir، ومتخصصة في كتابة المقالات والآراء حول المسلسلات والأعمال الانتاجية الفنية، وأحاول تحسين حياة القراء والقارئات عبر هذه المقالات.