
الإيمان الراسخ هو حياة القلوب، وبلسم للسعداء، والتوحيد هو بلسم للسعادة، وطريق للنجاة عند لقاء الله في الآخرة، وكلما ترقى العبد في درجات الإيمان، اطمأنت نفسه. في تحقيق هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ).
يقوم الإيمان على ثلاثة أركان ولا يستقيم معناه ولا يصح فهمه إلا بهذه الأركان، وهي اعتقاد القلب، وقول اللسان وعمل الجوارح.
هنا نوضح أهمية توحيد الألوهية.
ما اهمية توحيد الالوهية
أوضَح القرآن وأفصَح عن هذا النوع جدَّ الإفصاح، وأبدَى فيه وأعادَ، وضرَب لذلك الأمثال؛ حيث إنَّ كلَّ سورة في القرآن فيها الدَّلالة على هذا التوحيد، ولأجْل هذا التوحيد خُلِقت الخليقة، وأُرْسِلت الرُّسل، وأُنْزِلت الكتب، وبه افترَق الناس إلى مؤمنين وكفَّار، وسُعداء: أهل الجنة، وأشقياء: أهل النار، وهو أوَّل أمْرٍ في القرآن؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]. كما أنَّ التوحيد هو مِفتاح دعوة الرُّسل، ومَقصد رسالتهم، ومَحَطُّ اهتمامهم الأوَّل، ومَحَكُّ الخلاف بينهم وبين أُممهم، وتتبُّع قَصص الأنبياء في القرآن يدلُّ على هذا الأمر بوضوحٍ؛ فقد تكرَّرت على لسان الأنبياء كلمةُ ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59]، كما أنَّ الله - سبحانه - ذكَر قاعدة عامَّة في دعوة كلِّ الرُّسل، فقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
فضائل توحيد الالوهية
أعظم نعمة أنعمها الله على عباده، حيث هداهم إليه، كما جاء في سورة النحل التي تسمى سورة النعم، فالله،عز وجل، قدم نعمة التوحيد على كل نعمة، فقال في أول سورة النحل:[يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ](النحل: 2).
أنه الغاية من خلق الجن والإنس:[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ](الذاريات: 56). أنه الغاية من إنزال الكتب ومنها القرآن، قال، تعالى، فيه:[الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ(2) ] (هود).
أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما، كما في قصة يونس عليه السلام، أنه يمنع من الخلود في النار، إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل.
أنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية كما في حديث عتبان في الصحيحين؛ قال ": =فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
ايات عن توحيد الالوهية

قال -تعالى-: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذا أسلوب من أقوى أساليب الحصر والقصر، وهو النفي مع الاستثناء، واللام للتعليل؛ فالغاية من خلق الثَّقَلين هي عبادته - سبحانه، وأسُّ العبادةِ التوحيدُ والاعتقاد الصحيح، بل كما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله تعالى - في مسائله في كتاب التوحيد: "التوحيدُ هو العبادة"؛ "أي إن العبادة مبنية على التوحيد، فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعبادةٍ، لا سيما أن بعض السلف فسروا قوله -تعالى-: ﴿ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾: إلا ليوحِّدونِ؛ القول المفيد على كتاب التوحيد: ص (36).
فالله -تعالى- لم يخلُقْنا عبثًا ولا سدًى، ولم يتركنا هملاً؛ كما قال -تعالى-: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، بل خلَقنا لأمرٍ جلل، وغاية عظيمة، ووظيفة جسيمة، وهي توحيده - سبحانه.
الفرق بين توحيد الالوهية والربوبية
توحيد الربوبية : هو الإيمان بالله بصفات الفعل كالخلاق والرزاق ومدبر الأمور ومصرفها ونحو ذلك، وأن مشيئته نافذة وقدرته كاملة، وهذا هو الذي أقر به المشركون، المشركون أقروا بأن الله خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وأنه خالق السماوات وخالق الأرض، وهو توحيد الله بأفعاله، هذا توحيد الربوبية بأن تؤمن بأن الله هو الخلاق الرزاق مدبر الأمور مصرف الأشياء الذي خلق كل شيء ودبر الأمور وصرفها وخلق الأنهار والبحار والجبال والأشجار والسماء والأرض وغير ذلك، هذا توحيد الربوبية.
أما توحيد الألوهية: فهو توحيد الله بأفعالك أنت، تخصه بالعبادة دون كل ما سواه من صلاة وصوم ودعاء ونذر وزكاة وحج وغير ذلك، توحيد الألوهية هو معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود حق إلا الله، وهو أن تخص ربك بأفعالك بعباداتك بقرباتك لا تدعو مع الله إلهًا آخر، لا تعبد معه سواه من شجر أو حجر أو صنم أو نبي أو ولي فلا تدعو غير الله، لا تقول يا سيدي البدوي اشفني، أو يا رسول الله اشفني أو عافني أو انصرني، أو يا فلان أو يا فلان من الأولياء أو من غير الأولياء من الأموات أو من الأشجار والأحجار والأصنام، هذا الشرك الأكبر.
فتوحيد العبادة معناه: أن تخص العبادة لله وحده، ويقال له توحيد الإلهية، والإلهية هي العبادة معناه أن يخص الله بالعبادة دون كل ما سواه، وهذا هو معنى قوله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
وقوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] معناه أن يخصوا الله بالعبادة بصلاتهم وصومهم ودعائهم واستغاثتهم وجهادهم كله لله وحده، هذا يسمى توحيد العبادة، ويسمى توحيد الإلهية، وهذا أنكره المشركون وأبوه، ولما قال: قولوا لا إله إلا الله أبوا واستنكروها وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، فاستنكروا ذلك وأصروا على كفرهم وضلالهم وهم يقولون: الله الخالق الرازق المدبر، يقولون هذا ولكن مع ذلك لم يخضعوا لتوحيدهم العبادة .... فلهذا صاروا كافرين، وقاتلهم النبي ﷺ واستحل دماءهم وأموالهم لكفرهم وعدم إذعانهم بتوحيد الإلهية.
وهناك توحيد ثالث، وهو توحيد الأسماء والصفات، وهو: الإيمان بأسماء الله وصفاته كلها التي جاءت في القرآن والتي صحت بها السنة عن النبي ﷺ لا بدّ من الإيمان بها كلها وإثباتها بأنه العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، وأنه يرضى ويغضب ويتكلم إذا شاء ، جميع صفاته في القرآن والسنة لا بدّ من الإيمان بها وإثباتها لله ، وهذا يسمى توحيد الأسماء والصفات، والإيمان بأن الله واحد في ذاته، واحد في أسمائه وصفاته، لا شريك له، ليس له شريك يخلق أو يرزق أو يرحم العباد حتى يدخلهم الجنة وينجيهم من النار، وليس له شريك في القدرة وأنه قادر على كل شيء، بل هو منفرد بهذا فليس له شريك في إلهيته ولا في أسمائه وصفاته ولا في ربوبيته .
فهو الواحد في الربوبية، هو الواحد في الإلهية، هو الواحد في الأسماء والصفات، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:11]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74].
مرجع:
https://ar.islamway.net
من مواليد القاهرة 1985، حاصلة على بكالريوس الآداب جامعة عين شمس عام 2006، متابعة وناقدة فنية، أعمل كمحررة محتوى على موقعيّ Nawa3em، وgheir، ومتخصصة في كتابة المقالات والآراء حول المسلسلات والأعمال الانتاجية الفنية، وأحاول تحسين حياة القراء والقارئات عبر هذه المقالات.