في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات، تستعد باريس هذا الموسم لاستقبال أحد أكثر أسابيع الأزياء الراقية هدوءاً في الذاكرة المعاصرة. إذ يغيب عن الجدول الرسمي كبار الأسماء مثل ديور وفالنتينو وجان بول غوتييه، في وقت تتجه فيه الأنظار نحو توسّع متسارع لموسم المجوهرات الراقية الموازي الذي بات يفرض نفسه كلاعب رئيسي على أجندة الموضة الباريسية.
غيابات لافتة… وانسحابات استراتيجية
تأتي بداية هذه المرحلة الانتقالية بعد مغادرة ماريا غراتسيا كيوري دار ديور، وقرار خلفها جوناثان أندرسون التركيز على الأزياء الرجالية بعد عرضه المفتوح والمُشيد به في يونيو، ما أدى إلى انسحاب الدار من موسم الهوت كوتور الصيفي. دار فالنتينو بدورها تأخذ استراحة من العروض، حارمةً الجدول من أحد أعمدته المألوفة.
أما جان بول غوتييه، فقد أوقف برنامجه الشهير الذي كان يستضيف فيه مصممين ضيوفا لتقديم مجموعات كوتور، وذلك بعد تعيين المصمم دوران لانتيك كخلف رسمي للمؤسس في أبريل الماضي.
الوداع الأخير لـ"ديمنا" في بالنسياغا
في المقابل، يشهد الأسبوع محطة استثنائية مع عرض بالنسياغا الأخير بإدارة ديمنا، المصمم الذي يترك الدار بعد عقد من التأثير ليتجه إلى غوتشي، المنضوية تحت إمبراطورية كيرينغ المتعثرة. وسيحظى الجمهور بفرصة استثنائية لمعاينة إرثه الإبداعي من خلال معرض استعادي بعنوان "Balenciaga by Demna"، يقام في مقر مجموعة كيرينغ التاريخي في Laennec على الضفة اليسرى لنهر السين. المعرض يضم 101 تصميم مختار من أبرز محطات ديمنا في الدار، مع كاتالوغ مصمم على هيئة مجلة أزياء فاخرة، إضافة إلى أرشيف دعوات عروضه المبتكرة، ويستمر حتى 9 يوليو.
دخول أسماء جاهزة على خط الكوتور
ورغم الغيابات، تشهد أجندة يوم الأحد 6 يوليو حدثين لافتين من خارج دائرة الكوتور التقليدية، حيث تقدم Patou عرضها المسائي، فيما يترقب الجميع العرض الأول للمصمم مايكل رايدر لدى سيلين في تمام الثانية بعد الظهر. التوقعات عالية رغم صعوبة المهمة، إذ يخلف رايدر المصمم هيدي سليمان الذي ضاعف مبيعات الدار ثلاث مرات خلال سبع سنوات.
مزيج من الأسماء الرنانة والمواهب الصاعدة
يستمر أسبوع الكوتور رسمياً من الإثنين 7 يوليو حتى الخميس 10 يوليو، بمشاركة 24 داراً على الجدول الرسمي، بينها عروض مزدوجة لكل من شانيل وأرماني بريفي. عرض شانيل سيكون الأخير بتوقيع فريق التصميم الداخلي، قبل تسلم ماثيو بلازي زمام الإبداع مع أول عرض له في أكتوبر. ويشارك في الأسبوع أسماء تثري الطيف الإبداعي للكوتور، من المصممين الطليعيين مثل إيريس فان هيربن وفيكتور آند رولف، إلى الكلاسيكيين أمثال إيلي صعب وجيامباتيستا فالي، مروراً بالمواهب الصاعدة مثل جولي دو ليبران، أشي ستوديو ويومي ناكازاتو.
المجوهرات الراقية... العنوان الجديد للفخامة في باريس
في المقابل، تبدو المجوهرات الراقية وكأنها تخطف الأضواء من الأزياء هذا الموسم، خاصة مع عروض باهرة من دور مثل شانيل، التي كشفت في فاندوم عن آخر مجموعة من توقيع باتريس لوغيرو، المدير الإبداعي الراحل الذي طبع مجوهرات الدار بطابعه الخاص. المجموعة جاءت بمثابة وداع أنيق ومؤثر، وجمعت بين ثلاثة رموز أساسية من عالم كوكو شانيل: النجوم، الأجنحة، والأسد. أحد أبرز القطع المعروضة كان عقد "أجنحة شانيل" المرصّع بالألماس، تتوسطه ياقوتة وزنها 19.55 قيراط، ويقدّر ثمنه بـ11 مليون يورو.
منذ أكثر من عقد، خصصت Fédération de la Haute Couture et de la Mode اليوم الأخير من أسبوع الكوتور للمجوهرات الراقية، حيث تستعرض دور بحجم كارتييه وبوشرون وفان كليف أند آربلز ابتكاراتها في عروض خاصة ودعوات انتقائية. ولكن خلال السنوات الأخيرة، شهدنا دخول عدد متزايد من دور المجوهرات العالمية، وكذلك أقسام المجوهرات داخل بيوت الأزياء، ما جعل هذا اليوم نقطة جذب حقيقية للصحافة والعملاء والخبراء.
من العراقة إلى الاكتشافات الجديدة
من بين أبرز المشاركات هذا الموسم، نذكر دار دامياني الإيطالية التي تحتفل بتاريخها الممتد لمئة عام، إلى جانب علامة Serendipity للمصممة الصينية كريستين تشين، التي ستعرض في متحف Guimet، المتخصص في الفنون الآسيوية. وفي Sotheby’s باريس، سيقدم المصمم اليوناني نيكو كوليس معرضه البيعي الأول، ويضم 30 قطعة مختارة إلى جانب 10 تصاميم خاصة بالمناسبة.
أما من يفضل الجانب التجاري، فسيكون على موعد مع فطور فاخر تنظمه دار David Yurman في صالة عرضها بشارع سانت أونوريه. وبين أبرز الأسماء الجديدة، يبرز سهاق أرسلانيا، وهو الجيل الثالث من عائلة خبراء ألماس من أنتويرب، ويقدّم هذا الموسم أول مجموعة مجوهرات راقية تحمل اسمه رسمياً.
الرفاهية في أبهاها... رغم الغياب
رغم خفوت البريق الذي قد يرافق غياب بعض الأسماء الكبرى، إلا أن أسبوع الكوتور في باريس يثبت من جديد أنه منصة متحولة، قادرة على تجديد ذاتها. فبين وداعات مؤثرة، وانطلاقات واعدة، وبريق مجوهرات لا يهدأ، لا تزال مدينة النور تحتفظ بسحرها الأبدي، لا سيما حين تلتقي فيها نخبة النساء الأكثر أناقة حول العالم في رحلة بحث عن التفرّد والجمال.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.