المُتمرّد المُلوَّن، تاريخ أحمر الشفاه من كسر التقاليد إلى مُكافحة الكساد العظيم | Gheir

المُتمرّد المُلوَّن، تاريخ أحمر الشفاه من كسر التقاليد إلى مُكافحة الكساد العظيم

جمال  Sep 13, 2020     
اشترك في قناتنا على يوتيوب
×

المُتمرّد المُلوَّن، تاريخ أحمر الشفاه من كسر التقاليد إلى مُكافحة الكساد العظيم

إعلان من الأربعينيات
الأميرة مارغريت
الملكة إليزابيث
إليزابث تايلور
إليزابث تايلور
مارلين مونرو

أهم مُستحضر مكياج تاريخي على الإطلاق هو حمرة الشفاه، بدأ رمزاً للجمال والثراء للرجال والنساء وسُرعان ما تحول إلى وصمة عار، ليعكس حالة المُجتمعات والحضارات ويتخذ قيمة أعمق وأكبر حجماً من مُجرد صبغات تلوين شفاه.

أحمر الشفاه في الحضارات القديمة ما بين النُبلاء وبائعات الهوى

يؤرخ علماء الأثار أن الحضارة السومرية هي أول من اخترع أحمر الشفاه للرجال والنساء قبل 5000 عام من سحق الأحجار الكريمة والرصاص الأبيض، أما حضارة مصر القديمة فاشتهرت بها أدوات ومساحيق الزينة كالكحل للعين واللون الأحمر للشفاه في دلالة على الانتماء لطبقة الملوك والطبقة العليا، ولهذا السبب سنرى أيضاً الرجال يزينون وجوههم.

أما الملكة كليوباترا فكانت تأمر بُصنع أحمر شفاه من الزهور والخنافس وقشور الأسماك واللون القرمزي في قاعدة من شمع العسل ليكون لوناً خاصاً بها.

على النقيض من الحضارات المصرية والسومرية القديمة، كان أحمر الشفاه في الحضارة اليونانية القديمة رمزاً دنيئاً وكانت أول مرحلة تاريخية تشهد وضع قانون خاص فقط بأحمر الشفاه حيث كان مُخصصاً لبائعات الهوى لتميّزهن عن السيدات الأخريات، وإذا لم يضعن حمرة الشفاه القرمزية يتعرضن على الفور للمُحاكمة لأن هذا كان بمثابة خداعاً للمُجتمع.


أحمر الشفاه من عمل الشيطان في العصور الوسطى

خلال العصور الوسطى في أوروبا، كان أحمر الشفاه مُحرّماً وربطته كنيسة إنجلترا في القرن الخامس عشر بالشيطان وجعلت الشفاه الحمراء رمزاً للساحرات، أما السيدات في تلك المرحلة التاريخية فكانت إطلالاتهن تخلو من المكياج كلياً بالأخص حمرة الشفاه.

الملكة إليزابيث الأولى تجعل أحمر الشفاه رمزاً لقوتها

في القرن السادس عشر، اشتهرت ملكة بريطانيا إليزابيث الأولى بإطلالة الوجه الأبيض الشاحب وحمرة شفاه قوية، فعشقت الملكة أحمر الشفاه وجعلته رمزاً لقوتها ومكانتها الملكية غير مُهتمة بمحاولات منعه من السلطات الدينية، لذا كان مُقتصراً على طبقة الأميرات والمُمثلات على المسرح فقط.

لكن هل قتل أحمر الشفاه الملكة إليزابيث الأولى؟

كانت الملكة إليزابيث الأولى تظن أن أحمر الشفاه يمنحها خصائص علاجية ووقائية، لكن كانت هناك مُشكلة واحدة وهو أنه مصنوع من الرصاص السام، وحين عُثر عليها ميتة قيل إنها كانت تضع كمية كبيرة من حمرة الشفاه، ويُعتقد أنه سبب وفاتها.

أحمر الشفاه يؤدي إلى قانون إلغاء الزواج في أميركا

بعد وفاتها، عادت السلطات الدينية إلى التعامل مع أحمر الشفاه كمسألة أخلاقية إلى حد إصدار القوانين بمنعه ووصف كلّ من تضعه بممارسة أعمال السحر.

من إنجلترا، امتد تجريم أحمر الشفاه إلى مُستعمراتها في أميركا، وأصدرت بعض الولايات تشريعاً يُلغي الزواج في حال اكتشف الزوج أن زوجته كانت تضع أحمر الشفاه قبل الزفاف لأنه تعرّض للخداع.

أحمر الشفاه -غير المُهذب- في العصر الفيكتوري

على الرغم من جمال وأناقة العصر الفيكتوري، كانت الملكة فيكتوريا ترى أحمر الشفاه عملاً غير مُهذب أو لائق، وكان حصرياً فقط داخل المنزل سراً.

أحمر الشفاه يتحول إلى سلاح نسوي مُتمرّد

مع بدايات القرن العشرين، تحول أحمر الشفاه إلى رمز للتمكين وقوة المرأة، وأصبح وسيلتها الوحيدة للتمرد على القيود القديمة، وليس فقط لجاذبيته لكن أيضاً قوة اللون الأحمر نفسها جعلته أهم مُستحضر في العصر الحديث.
في عام 1912، تدفقت النساء في شوارع نيويورك للمُطالبة بحق التصويت في الانتخابات، ووضعن جميعهن حمرة شفاه باللون الأحمر، حينها وزّعت إليزابيث أردن حمرتها الحمراء على المُتظاهرات في الشارع.

أحمر الشفاه لمُحاربة هتلر

في الأربعينيات، وخلال الحرب العالمية الثانية، كان هتلر يكره بشدة أحمر الشفاه ويمنع النساء المُحيطات به من تطبيقه، لذا قرر الحلفاء تعزيز قوة أحمر الشفاه وأصبح إلزاماً للنساء العاملات في الخدمة الحربية، حتى إن قوات البحرية الأميركية كان لديها لون خاص بها من علامة إليزابيث أردن بدرجة Montezuma Red، بينما رئيس الوزراء البريطاني تشرشل جعل حمرة الشفاه أساسية لأنها تُعزز من معنويات النساء العاملات، فكن يذهبن إلى المصانع ويجدن فيها كميات كبيرة من الحمرة.

كيف وصل إلينا أحمر الشفاه اليوم؟

في عام 1884، صنّعت شركة العطور الفرنسية غيرلان Guerlain أول حمرة شفاه تجارياً من شحم الغزال وشمع العسل وزيت الخروع ثم لفّه بورق حرير.

لم يكن تصميم تعبئة الحمرة عملياً، لذا ابتكر المخترع الأميركي موريس ليفي في عام 1915 أول حمرة شفاه في أنبوب معدني منزلق كما نعرفه اليوم، وهو ما ساعد على انتشاره.

وعلى الرغم من هذا التقدم المُستمر في صناعة تركيبات حمرة الشفاه، كانت الوصفة الأميركية الشهيرة تتكوّن من حشرات مسحوقة وشمع العسل وزيت الزيتون، ما جعل أحمر الشفاه يتغير سريعاً ويختفي بعد ساعات من التطبيق، عدا عن المُركبات السامة التي لم يُجرّمها الكونغرس سوى عام 1938.

هل يُمكن أن يرتبط أحمر الشفاه في الثلاثينيات بأزمة كورونا اليوم؟

في الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبح أحمر الشفاه أهم مُستحضر تجميل في حياة النساء، وشهد ارتفاعاً هائلاً في مبيعاته بالرغم من حالة الكساد الأعظم ما أدى إلى ظهور مُصطلح "تأثير أحمر الشفاه"، وهو مصطلح يستخدمه الاقتصاديون لشرح استمرار المستهلكين في شراء سلع صغيرة "تافهة" مثل أحمر الشفاه لرفع المعنويات خلال أوقات الصعوبات المالية.

و مع توقعات بفترة كساد تعقب انتشار فيروس كورونا وتأثيرها على الاقتصاد، فهل يعود هذا المُصطلح مرة أخرى ويمتد لمُستحضرات تجميلية ترفيهية؟

مارلين مونرو وإليزابيث تايلور

في الخمسينيات، أصبح أحمر الشفاه رمزاً أنثوياً صارخاً وجذاباً، أعاد للمرأة الثقة بجمالها وارتبط بنجمات هوليوود مثل مارلين مونرو وإليزابيث تايلور وغرايس كيلي وأودري هيبورن وغيرهن.

الستينيات والسبعينيات

أما في الستينيات فكان أحمر الشفاه باللون الأحمر الأقل أهمية في المكياج لإبراز صيحات التويغي والآيلاينر، بينما في السبعينيات عاد أحمر الشفاه مرة أخرى رمزاً للتمرد لكن بطريقة مُختلفة، فحركات الهيبيز والمساواة تظاهرت ضد المكياج والحمرة وتنميط إطلالة المرأة، لذا اختفى قليلاً وزاد الاعتماد على مُرطبات الشفاه الملونة، لكن هيمنت صيحات الديسكو وعادت مرة أخرى الشفاه الحمراء بتدرجاتها إلى المكياج.

الشفاه الزاهية تعود في الثمانينيات وتختفي في التسعينيات

اللون الأحمر عاد توهجه في الثمانينيات في شكل حمرة شفاه غلوس وألوان لامعة إلى جانب تدرجات الفوشيا.

التسعينيات شهدت تقريباً اختفاء درجات الأحمر الصارخة، وبدلاً منها تنوعت الألوان ما بين النيود والدرجات البنية الداكنة.

أما أوائل الألفية، فكان غلوس الشفاه البرّاق والغليترز بألوانه الزاهية هو الصيحة الأهم للنجمات مثل بريتني سبيرز وكريستينا أغيليرا وغيرهن.

من إمبراطورية كايلي جينر إلى المكياج النباتي

اليوم تواصل حمرة الشفاه تطورها بسرعة، فنجد الشفاه المُمتلئة الجذابة قد حوّلت كايلي جينر إلى مالكة إمبراطورية قيمتها مليار دولار من مستحضرات التجميل، وتنوعت التركيبات لتصل إلى ذروتها بمكونات طبيعية ونباتية صديقة للبيئة، وما دامت الحياة تستمر سيُرافق كلّ امرأة أحمر شفاه قريب إلى قلبها يمنحها الجمال والثقة.

مُحررة أخبار وكاتبة مقالات لموقع gheir.com، شغفي بصناعة الأزياء دفعني إلى التعمق و دراسة أصولها، بينما خبرتي الأكاديمية في مجال الإعلام جعلت مهنة مُحررة الموضة هي الأمثل لي، لأنقل لكم يومياً أخبار الأزياء و المجوهرات، و حوارات مع أهم شخصيات الموضة العالمية والعربية بجانب تحليلات أسبوعية تكشف كواليس و خبايا صناعتها.

الجمال