في إطار فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، كشفت الشركة السعودية للخطوط الحديدية وشركة Arsenale الإيطالية عن مشروع Dream of the Desert، أول قطار فاخر من نوعه في المملكة، من تصميم المهندسة المعمارية ألين أسمر دامان، مؤسسة استوديو Culture in Architecture . يشكّل هذا المشروع تجربة استثنائية تعيد تعريف السفر الفاخر كرحلة شاعرية متحركة عبر الصحراء، حيث تمتزج العمارة والثقافة بالعاطفة. بين الحرفية الإيطالية الراقية وعمق التراث السعودي، تنبض تفاصيل التصميم بروح المكان: نقوش خشبية دقيقة، أقمشة منسوجة، وإضاءة بزجاج مورانو الدافئ. في هذا الحوار، تتحدث ألين أسمر دامان والرئيس التنفيذي باولو بارليتا عن الرؤية الإبداعية وراء المشروع، فلسفة التصميم، والبعد الثقافي الذي يجعل من القطار تحفة معمارية متحركة.
ألين، يجمع مشروع Dream of the Desert بين التراث السعودي والحرفية الإيطالية. ما الرؤية الإبداعية والإلهام وراء هذا العمل؟
رؤيتي الأولى لـ Dream of the Desert كانت حلماً سينمائياً، رحلة غامرة تمتد كقصيدة عبر أفق الصحراء الشاسع والمهيب. تعاملت مع التصميم الداخلي كحوار بين الماضي والحاضر، حيث تهمس التفاصيل الحرفية بقصص تراثية من خلال عدسة عصرية راقية. يعكس المشروع قروناً من الأناقة السعودية، ويجسد فن السفر وروح اللقاءات الصحراوية. إنه أكثر من مجرد قطار، بل تجربة متكاملة يعيش فيها الركاب الجمال، الثقافة، والإبداع المتجذّر في التراث والحرفية الرفيعة.
يتميز القطار بنقوش خشبية دقيقة، وأنسجة منسوجة، وإضاءة بزجاج مورانو. كيف حافظتِ على توازن بين العناصر التقليدية والفخامة المعاصرة؟
أؤمن أن الانغماس الثقافي والإحساس بالمكان يرفعان تجربة السفر إلى مستوى الفن. استلهمت تصميمي من مشاهد الصحراء ومن العمارة السعودية التقليدية، ونسجت منها أجواء القطار وكأنه انعكاس لحركة الرمال وألوانها وعمقها السحري. نشأت في لبنان، واكتسبت تقديراً عميقاً للثقافة السعودية، تلك الغنية والمتعددة الطبقات التي عرفتها عن قرب في منازل الجيران والأصدقاء. استحضرت رموزاً معمارية من معالم سعودية مثل العلا ومدائن صالح وحائل، ودمجتها برقة في تفاصيل التصميم لتمنح الركاب رحلة بصرية وثقافية مفعمة بالمعنى. تتنوع المساحات بين صالات استقبال تستوحي أجواء المجالس التقليدية ومقاعد مزدوجة تشجع على الحوار، بألوان ترابية وأقمشة فاخرة ونقوش محفورة يدويًا تجسد دفء الضيافة السعودية. حتى في اختيار الأقمشة والأنماط الهندسية، كانت الإشارة واضحة إلى الحرفية التقليدية بأسلوب حديث ونقي. أما منطقة البار، فاستلهمت هندستها من عمارة الحجر في مدائن صالح، لتتحول الرموز الأثرية إلى تصاميم معاصرة تنبض بالحياة. أما الألوان الترابية وظلال البني والأخضر الواحة، فتتوهج تحت ضوء زجاج المورانو المنفوخ يدوياً، لتخلق أجواءً دافئة تستحضر سحر الفوانيس الشرقية.
ما القصة أو التجربة التي ترغبين أن يعيشها الركاب خلال رحلتهم على متن القطار؟
أرى التصميم وسيلة لسرد القصص، لغة للتعبير عن القيم الإنسانية عبر الفن والحرفية. نحن المعماريين نكتب بالمواد كما يكتب الشعراء بالكلمات، وهذه "الشاعرية المادية" تمثل جوهر عملي. لا أسعى لتقليد الماضي بل لإعادة تفسيره باحترام وحداثة، لأن الأصالة وحدها تصنع الجمال الدائم. تخيلت Dream of the Desert كرحلة لا تعبر المكان فحسب، بل العاطفة والذاكرة أيضاً. من الصالة المستوحاة من المجالس إلى الأجنحة الهادئة وعربة المطعم الأنيقة، كل مساحة تمثل فصلا جديدا من قصة شاعرية واحدة متجذّرة في الإرث السعودي. أردت أن يشعر الركاب بانتماء وسكينة، وكأن الزمن توقف ليمنحهم تجربة تجمع بين الراحة، والجمال، والثقافة في لحظة واحدة.
كيف أثّر التعاون مع شركة Arsenale S.p.A على اختيار المواد وتنفيذ التصميم؟
هذا التعاون أتاح لنا دمج الحرفية الإيطالية بالفن السعودي في حوار ثقافي رائع. القاطرات الإيطالية أعيد تصميمها بدلاً من إعادة بنائها بالكامل، في تطبيق عملي لفلسفة upcycling التي تقوم على الإحياء بدلاً من الإلغاء.
منحنا الهياكل القائمة حياة جديدة مشبعة بالروح السعودية والمهارة الحرفية الأصيلة. هذه المقاربة تعبّر عن احترام للتاريخ واستدامة في آنٍ واحد، وتعيد تعريف مفهوم الفخامة اليوم. فالفخامة الحقيقية تكمن في التجديد الواعي، لا في البدء من الصفر. المشروع بدعم من وزارة الثقافة السعودية، يمثل احتفاءً بالتبادل الثقافي وبالإلهام اللامتناهي الذي تولده الصحراء وتراث المملكة.
غالباً ما تتطلب تجربة السفر الفاخر توازناً دقيقاً بين الراحة والإبهار. كيف تعاملتِ مع هذا التوازن؟
يعكس Dream of the Desert فلسفة "الفخامة الهادئة"، دعوة للانغماس في اللحظة. نقلت هذه الفكرة إلى لغة التصميم عبر انسجام بصري وملمسي يجمع بين الأقمشة المخملية التي تدعو للمس، والخشب الدافئ الذي يستحضر البيوت التقليدية، والإضاءة النحتية التي تخلق جوًا حميميًا. ألوان الصحراء – بدرجاتها الرملية واللافندر وأخضر الواحة – تبث شعوراً بالسكينة في كل التفاصيل. كل مساحة، من الصالة إلى المطعم، تشكّل تأملًا في الحضور، والثقافة، والانتماء للمكان.
كيف ترين دور Dream of the Desert في مشهد السفر والضيافة الفاخرة في المملكة اليوم؟
تشهد المملكة نهضة ثقافية مذهلة تدعو العالم لاكتشاف إرثها الغني بعيون عصرية. مع أجندة فعاليات نابضة بالحياة، تُعيد السعودية صياغة روايتها، ويسعدني أن أكون جزءاً منها. يجسّد هذا القطار هذه الرؤية، إذ يجمع بين احترام الجذور والجرأة في الابتكار، ليقدّم تجربة فاخرة تحمل روح السعودية المعاصرة.
باولو، بوصفك الرئيس التنفيذي لشركة Arsenale، ما الذي جعل مشروع Dream of the Desert مميزاً من حيث الابتكار والحرفية؟
منذ البداية، أردنا أن نبتكر تجربة جديدة تمامًا في عالم السفر الفاخر بالقطارات. لم نرَه وسيلة نقل، بل "قصر متحرك"، حيث يُفكَّر في كل تفصيل، ويُصاغ كل لحظة بعناية. كل قطعة نحاس صُقلت يدوياً، وكل قماش نُسج بتراث، والخدمة تُقدم بإيماءة قبل الكلمات. التعاون مع ألين أتاح لنا دمج الحرفية في كل مرحلة، من النقوش الخشبية في الصالة إلى الرموز الهندسية المستوحاة من التراث السعودي، مروراً بالأثاث المصمّم خصيصاً والمواد الفاخرة المختارة بعناية. من ناحية الهندسة، جمعنا بين الخبرة الإيطالية في الضيافة والسياق الطبيعي والثقافي السعودي. يتألف القطار من 14 عربة و33 جناحًا، ويقطع مسافة 1300 كيلومتر من الرياض إلى الجوف، مقدّمًا تجربة فاخرة لا مثيل لها. ما يميّزه أن كل جزء منه – من صالات الاستقبال المستوحاة من المجالس إلى الأجنحة التي تتزين بأرائك خضراء بزخارف آرت ديكو وجدران خشبية دافئة – صُمم ليجسّد روح المكان والفخامة في آن.
الاستدامة والهندسة الحديثة أصبحتا محوراً في المشاريع الفاخرة. كيف تعاملتم معهما في هذا المشروع؟
منذ البداية، حرصنا أن يجمع المشروع بين الابتكار والراحة والاحترام العميق للحرفية والجودة والبيئة. جميع عربات القطار صُنعت بالكامل في إيطاليا ضمن مجمعنا الصناعي في برينديزي، حيث تتم عملية التصنيع الهيكلي، ثم تُنجز التشطيبات الداخلية في بيرغامو على يد حرفيين ومهندسين متخصصين يترجمون رؤية ألين بتفاصيلها الدقيقة. هذا المسار يجسد جوهر "صُنع في إيطاليا" من حيث الدقة الهندسية، والرقي الجمالي، والحرفية المتوارثة.
ومن الناحية التقنية، صُمم القطار ليعمل بكفاءة على الشبكة الحديدية السعودية الحالية دون الحاجة إلى بنية تحتية جديدة، مما يقلل الأثر البيئي. هدفنا في Arsenale هو إعادة تعريف الفخامة باعتبارها ابتكاراً مسؤولًا، يجمع بين التقدم التقني، والأصالة الثقافية، والعناية بالبيئة – وهذا القطار خير تجسيد لهذه الفلسفة.
ما الشعور أو التجربة التي تتمنون أن يعيشها الركاب عند صعودهم على متن القطار؟
أرغب أن يشعر الركاب منذ اللحظة الأولى باتصال عميق مع المكان والثقافة والراحة الأنيقة. لا نريدهم أن ينتقلوا من نقطة إلى أخرى، بل أن يعيشوا تجربة غامرة في قلب السعودية – في مناظرها، وقصصها، وحرفيتها، وضيافتها الراقية. بالنسبة لنا في Arsenale، الفخامة ليست مجرد مظهر أو بهرجة، بل تجربة تنبض بالأصالة والعاطفة. أن يشعر الراكب بأن جناحه واحة خاصة، وأن الصالة تستحضر دفء المجلس، وأن المطعم يروي حكاية المذاق المحلي – هذا ما نعتبره جوهر الفخامة: أن تكون التجربة شخصية، راقية، ومفعمة بالإنسانية.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.