سوزي ناصيف: الحياة ملهمتي وأرى نفسي حكواتية تعبّر من خلال الرسم | Gheir

سوزي ناصيف: الحياة ملهمتي وأرى نفسي حكواتية تعبّر من خلال الرسم

ديزاين  Jun 09, 2020     
×

سوزي ناصيف: الحياة ملهمتي وأرى نفسي حكواتية تعبّر من خلال الرسم

الفنانة اللبنانية الأصل، سوزي ناصيف، ظهرت للعيان ميولها الفنية، ولمستها الخاصة في الرسم والتصوير التشكيلي منذ سن حديثة؛ حرصت على تطويرهما حتى انطلقت في مسيرتها الفنية الرسمية في العام 2014، لتتألق في عالم الفن التشكيلي كفنانة محترفة، قدمت لنا لوحات بديعة تقطر فنّاً وإلهاماً منذ ذلك الحين. لذا كان لابد لنا من لقاء خاص معها، لنتعرّف إليها عن قرب، ولتمنحنا عيناً خاصة على فنّها وإبداعاتها.

في البداية؛ كيف تحبّين أن تعرّفي نفسك وتصفي أعمالك لجمهور قارئاتنا في "غير"؟

سأقول إني امرأة تسحرها حكايا الناس، حتى تعابير وجوههم في السراء والضراء؛ فيمكنني القول إني شهرزاد من نوع خاص، أحكي تلك الحكايا بطريقتي. أؤمن بمقولة شهيرة للفنان العالمي بيكاسو: "كل ما يمكنك تخيّله هو حقيقي".
ومن هذا المنطلق أرى أن للحياة عنصرين: الأحلام والواقع؛ وأنا أحب تصوير العلاقة السيريالية والشاعرية بين هذين العنصرين؛ فيمكنك قول إني أجمع تعابير الوجوه، والنظرات، والخيالات، وأعبّر عنها بجرأة من خلال لوحاتي لكي تتواصل مع المشاعر الخاصة بالمشاهدين على مستويات عدة. ولهذا أرى نفسي حكواتية، أنسج الجاكيات بين اللوحات والحكايات خلفها، وبين الحكايا التي تدور في رأس مشاهديها؛ ولا أرى نفسي فنانة سيريالية ولا واقعية، بل أجد للوحاتي نسقها الخاص الذي أسمّيه "سوزيسم".

ما هي اللوحة المفضّلة لديك ومن إبداعاتك التي ترينها الأقرب إلى قلبك؟

هل هناك أمّ تفضّل أحد أبنائها على الآخرين؟ نفس الأمر ينطبق على لوحاتي، فأنا أراها مثل أبنائي، وأحبها جميعها بنفس القدر، باختلاف ملمسها وألوانها وحجمها وحتى موضوعاتها. فهذه اللوحات هي نتاج لحظات خاصة جداً في حياتي. ولكن هناك لوحة، أعدّها بورتريه شخصياً، لأطلقت عليها اسم أمل، أعدّها رمزاً لقوتي الداخلية الشخصية والأم الروحية لنجاحي؛ فهي البوابة التي انفتحت لي على عالم "سوزيسم" الفني.

وهل هناك مدرسة فنية أو أسلوب فني مفضلة لديك؟ ولماذا؟

أنا فنانة معاصرة، بلمسة سيريالية؛ وأفضّل هذا المزيج الفني لأنه فن يعبّر عن لحظة معاصرة مع مزجها بخيالات وأفكار، وأحلام، مع الواقع. ففي الفن المعاصر يمكننا أن نرى أسلوباً فنياً حديثاً ومعاصراً، مع أسلوب قديم، مع خيال مستقبلي فريد. هذا المزيج يتيح للمشاهد أن يتأمّل في نفسه وأفكاره، ويتيح له أن يملأ الفراغات ويتواصل مع حكاية موازية تقدّمها له اللوحة، أو توقظها في داخله. ومن هنا تكون عملية خلق حوار بين اللوحة ومشاهدها هي مسؤولية جديدة، ونواة لفكرة جديدة لعمل جديد.

لاحظنا في لوحاتك شخصيات أيقونية شهيرة؛ فما الذي شجعك على اختيار هذه الشخصيات تحديداً؟

كوكو شانيل هي أول امرأة غيّرت وجه عالم الأزياء؛ وقد أثّرت في النساء والرجال على حد سواء؛ خطوة ضخمة قرّبت في أذهان الناس كيف أن النساء والرجال متساوون. لها مقولة مفضّلة لديّ: "الموضة ليست شيئاً نجده في الأزياء فقط؛ إنما في السماء، والشارع، وترتبط بالأفكار، وبأسلوب حياتنا، وما يحدث من حولنا". ومن هذا المنطلق أقول إن الفن ليس شيئاً نجده في اللوحات فقط، وإنما هو في كل مكان؛ في السماء وفي الشارع، وهو مرتبط بالأفكار وبأسلوب حياتنا وما يحدث حولنا، وما خلف هذه الأحداث". وقد تعلمت من حكايات سوبرمان المصورة منذ الطفولة مقولة محببة: "المذهل" يمكن خلقه فقط من مواجهة الخوف، الخطر، والفشل، خلال عملية تطويره". كان لهذه الأفكار كبير التأثير عليّ خلال اكتشافي موهبتي الفنية في حياتي باعتباري علّمت نفسي الفن بنفسي.
تلهمني أيضاً الفنانة فريدا كالو التي لم تحد فنها بأي قيد أو حد، وما زالت إلى اليوم قدوة مهمة للكثيرات من الفنانات المعاصرات؛ شخصياً، أراها الأم الروحية. الفنان العالمي سلفادور دالي هو ملك السيريالية، وهو لغز في حد ذاته؛ بعد زيارتي لمرسمه ومنزله في كاداكس، شعرت بالرهبة والانبهار معاً أمام أعماله. فقد ألهمني شخصياً للتفكير خارج الأطر أو خارج الصندوق كما نقول. وأرى أن هذه الشخصيات الأيقونية استولت عليّ بتأثيرها على تفكيري وعلى مسار التاريخ الذي شكلوه بلمسات خالدة.

هل لديك موضوع أو عنصر للإلهام خاص بك؟

الحياة! فرحلتي حول هذا العالم من سفريات، وخبرات وتجارب، ووجودي في هذا العالم المتغير باستمرار هي مصدر إلهامي. حواسي الفنية تزدهر بالمشاعر العميقة، التي أترجمها على اللوحات بألوان وتكوينات مرتبطة ومبعثها نظرتي للحياة في تلك الفترة أو المرحلة. فأنا أسير وفق تغيرات الحياة بعيون مفتوحة، وأصب كل ما يؤثر في حواسي وأفكاري في الرسم. فأعمالي هي ببساطة نتاج مجمع من الأفكار ألتقطها بوعي أو بلاوعي من حياتي اليومية؛ فهي العين النافذة إلى قلبي وروحي.

وأي فترة من فترات التاريخ تلهمك أكثر من غيرها؟ ولماذا؟

الفترة الرومانسية هي من الحركات الفنية المحببة إلى قلبي. فهي تنطق بالشغف والمشاعر والخيال مع الطبيعة، مع التقاليد القديمة والأساطير والحكايات الخرافية. فقد قدمت لنا هذه الفترة الآلاف من الرسامين والكتّاب والمؤلّفين الموسيقيين، سواء قدموا أنفسهم بهذا الوصف أو عُرفوا به فيما بعد. وقد تشاركوا جميعاً فيما بينهم، في رأيي، بانفتاح حواسهم على اكتشاف ذواتهم والتعبير بحرية عنها، بهدف اكتشاف أو التعبير عن معنى الحياة. ويمكنني أن أربط إبداعاتي بتلك الفترة فقط، لتعبيرها الواضح عن المشاعر العميقة، التي تتحدث إلى روح المشاهد مباشرة. وأقتبس هنا من الفيلسوف هيغيل: "لا شيء ذو أهمية في التاريخ تحقق بدون شغف".

أي المشاعر قادرة على تحريكك وإيقاظ موهبتك الفنية أكثر من غيرها؟

الفن هو عبارة عن مشاعر في حد ذاته. فأنا لا أملي على مشاعري كيف تعبّر عن نفسها، بل بالأحرى تملي هي عليّ كيف أعبّر عنها من خلال الفن. هذه العملية الإبداعية ليست مقصودة ولا تتم عن عمد، بل تزدهر عفوياً وتلقائياً تماماً كحركة الحياة. لحظة واحدة مفعمة بالمشاعر يمكنها إيقاظ الفنانة في داخلي. سواء كانت حباً، كراهية، حزناً، يأساً، أملاً، أحلاماً، أمنيات، ذكريات، أو سعادة، أو غيرها من المشاعر. كل منها يخدم جزءاً في الفن. وهذا هو مكمن جماله.
بالنسبة إليّ، اختبار أي من هذه المشاعر بصورة حادة سيسلّمني إلى لوحاتي التي أضع عليها تعبيري عن هذه اللحظة بدون كلمات. المشاعر هي المحفزات، وهي الطاقة التي تنتظر أن تتفجر في الألوان.

وهل هناك مشاعر معيّنة ترغبين في أن يتواصل معها مشاهد لوحاتك؟

كل لوحة تحكي قصة وتحمل رسالة فريدة. إبداعاتي هي نتيجة إلهام وموجات داخلية مرتبطة بمشاعر لحظية. ولهذا، تعكس اللوحة نفسها المشاعر التي تحتويها على مشاهديها، وتتواصل معهم ويتأملون ما تعكسه عليهم كل لذاته؛ فتتحول كل ضربة فرشاة إلى خيال المشاهد، ومن خلال هذا الرابط الشخصي تخلق الرسالة الخاصة لكل لوحة وتصل إلى متلقّيها.

في ضوء المجريات العالمية الآن، كيف تصفين العالم في فنك؟ وهل ترين ضوءاً في نهاية النفق كما يُقال؟

سأرسم لوحة مشابهة للوحة "الموجة العظيمة" للفنان الياباني هوكوساي، التي تصوّر موجة ضخمة تهدد الأرض، ويد الله تمتد من أعلى لتحمي الأرض كيد حامية حانية.
فقد تعرّض عالمنا للعديد من الموجات العاتية التي ضربته بالكثير من التغيرات التي أثّرت في شكل الحياة كما نعرفها. فحين يبدو لنا أن الكون متواصل بالمآسي؛ لكنني أصارع كي أجد الألوان وسط كل هذا السواد، من خلال الإيمان. فأنا أرى النصف الممتلئ من الكوب دوماً، وأرى العالم يعزف لحناً من التناغم والتعاطف. فقد استلزم الأمر وباء عالمياً لنتأكد أننا لا يمكننا الاستمرار والخروج من السواد إلى النور والألوان إلا بالتكاتف معاً. فأنا مؤمنة أن لكل نفق نهاية وسنخرج منه معاً.

وأين ترين فنك في السنوات الخمس المقبلة؟

أرى نفسي في وضعية "تطوّر مستمر" طوال الوقت. ففني يتطور باستمرار منذ اليوم الذي بدأت فيه حتى اللحظة الراهنة. قد يستلزمني الأمر سنة أو أبدية؛ ولكن طالما أحرص على تحدي نفسي والخروج من منطقة الراحة الخاصة بي فنياً، لكي أبتكر "تحفتي الفنية"، أو تلك اللوحة الكونية التي تتحدث بكل اللغات. أنا أرسم لكي أصل إلى موضوع وخيط وشعور شائع ومترابطة من أجل عالم أفضل.
حديث يقطر مشاعر مرهفة وشغفاً حقيقياً بالفن، ألهمنا الجمال والبحث في ذواتنا بحق، واستمتعنا بلقائنا مع الفنانة اللبنانية صاحبة الإبداعات الجميلة سوزي ناصيف.

آيات محمود، مواليد 1980، وحاصلة على ليسانس الآداب في علم النفس من جامعة عين شمس - أعمل محررة مجتوى التصميم والتكنولوجيا في موقع Gheir الالكتروني؛ ولدي خبرة في تقديم محتوى متعلق بأحدث صيحات وفعاليات فنون التصميم والديكور، وأحدث صيحات الأثاث وألوان الديكورات والأكسسوارات، ومتابعة الفعاليات الفنية المحلية والعالمية المهتمة بمجالات التصميم والديكور، بالإضافة لمتابعة أحدث ما يقدمه عالم تكنولوجيا الانترنت والاتصالات، وأحدث إبداعات عالم السيارات والمركبات.

الديزاين