في لحظةٍ ما، يصل كلّ إنسان إلى مفترق طرق حقيقي يغيّر مسار حياته. وبالنسبة لي، جاءت تلك اللحظة في أكثر الفترات أهمية وانشغالاً، حين كانت الحياة تمضي بسرعة، وأحلامي تكبر أكثر من طاقتي على الاحتمال. لم يكن هناك تحذير واضح، ولا جرس إنذار، بل بدأ جسد يئنّ في صمت. شعرت بآلام مبرحة، غامضة، متنقلة، لا تفسير لها، ولا تشخيص واضح رغم زياراتي المتكررة للأطباء، والفحوصات الدقيقة التي خضعت لها على مدار أشهر.
وفي النهاية، كان التشخيص: الفايبروماليجيا. "مرض العصر"، كما يسمّيه البعض، الذي يصيب النساء تحديداً، ويترافق مع ألم مزمن في العضلات والمفاصل، ناتج عن القلق والتوتر والتراكم العاطفي والذهني. لكنّ الصدمة لم تكن فقط في اسم المرض، بل في الحقيقة القاسية التي واجهني بها الطب: لا علاج فعليا، ولا شفاء دوائيا.
عند هذه اللحظة، كان لا بدّ أن أختار. إما أن أستسلم للألم، أو أن أبحث عن طريق آخر، أحاربه بالأمل وأُعيد خلاله علاقتي مع ذاتي وجسدي. وهكذا بدأت رحلتي مع التشافي الذاتي. رحلة طويلة، غير خطيّة، مليئة بالتجربة، الاستكشاف، التأمل، والبحث، والأهم: بالاستماع الحقيقي إلى نفسي. وهذه خمسة أمور رئيسية غيّرت حياتي خلالها:
الإنصات إلى الجسد
لأول مرة، بدأت أُصغي حقاً لما يقوله جسدي، لا لما يُملى عليّ من الخارج. كل وجع كان رسالة، وكل تعب كان نداء استغاثة. تعلّمت أن أضع "الراحة" في سلّم أولوياتي من دون أن أشعر بالذنب. أن أستلقي ببساطة وأفعل "لا شيء" لم يعد تقاعساً، بل أحد أوجه التشافي. منحت نفسي الإذن بالاستسلام المؤقّت، فقط لأتمكّن من استعادة قوتي.
والأهم من ذلك، تعلّمت تقنية التأمّل من خلال التنفّس. قد تبدو هذه الممارسة بسيطة أو حتى غير ذات أهمية بالنسبة للبعض، لكنها بالنسبة لي كانت بمثابة مفتاح داخليّ غيّر علاقتي بجسدي ومزاجي. لا يمكنني أن أصف تماماً مدى تأثيرها بالكلمات، ولهذا أدعو كل مَن يقرأ هذه السطور أن يجرّبها، ليلمس بنفسه فوائدها العميقة.
تعتمد هذه التقنية على الاستلقاء في مكان هادئ ومريح، إغلاق العينين (ويمكن الاستعانة بقناع حاجب للضوء)، ثم الشروع بالتنفس العميق: شهيق بطيء لثلاث ثوانٍ، توقف لثانية أو ثانيتين، يليه زفير ممتد لخمس أو ست ثوانٍ. إن دخول الأوكسجين إلى الجسم بهذه الطريقة المنتظمة والعميقة، يضع الجسد في حالة من الاسترخاء الكامل، ويترافق مع تنميل طفيف، ما يمنح الجسم شعوراً بالتجدّد والهدوء يصعب وصفه، لكنه لا يُنسى.
إعادة تعريف العلاقة مع الطعام
لم يعد الأكل "عدواً للوزن" أو "رقماً على الميزان"، بل وسيلة محبة واهتمام. بدأت أتناول ما يحتاجه جسمي فعلاً، من دون حرمان، ومن دون تأنيب ضمير. أطعمت نفسي طعاماً صحّياً، مغذياً، وفي الوقت نفسه طعاماً يشبهني، يرضيني، ويدلّلني. لم أعد أقيس السعرات، بل قست تأثير الطعام على طاقتي، مزاجي، وحالتي الجسدية.
الاستمتاع بالحياة في اللحظة الراهنة
توقّفت عن تأجيل المتعة وصرتُ أعيش وفق مقولة "Here and Now". لم أعد أربط الفرح بإنجاز أو مناسبة. صرت أحتفل بالصغير قبل الكبير: فنجان قهوة، لحظة هدوء، ابتسامة صادقة. الحياة لا تنتظر. السعادة ليست وجهة، بل لحظة تحدث الآن، إن أردنا أن نراها.
دعم الجسد بالفيتامينات والمكمّلات
رغم خوفي القديم من تأثير الفيتامينات على وزني، أدركت لاحقاً أن جسدي بحاجة إلى دعم حقيقي. بدأت بتناول مجموعة من الفيتامينات التي كان لها تأثير واضح في التخفيف من الأعراض، منها: فيتامينات B المركّبة خصوصاً B1 وB2 وB12، وفيتامين D3 مع K2، والماغنيزيوم، وCoQ10 ، وكلها تساهم في دعم الجهاز العصبي، وتحسين النوم، وتخفيف التشنجات وآلام الأعصاب.
العناية اليومية: من الماء إلى النوم
لا يوجد علاج سحري، لكنّ التفاصيل الصغيرة تغيّر الكثير. شرب كميات كافية من المياه، تناول الألياف، النوم المبكر، والالتزام بجلسات علاج فيزيائي منتظمة... كل هذه العادات أصبحت تشبه الطقوس اليومية التي تُعيد إليّ التوازن الداخلي، وتمنحني شعوراً بالتحكّم قدر الإمكان، في عالمٍ يبدو في بعض الأحيان فوضيوياً وصاخباً.
وهنا، لا يمكنني أن أذكر التمارين الرياضية التي كنت أدمنتها طوال السنوات الماضية. فالآلام العضلية والعصبية التي ترافق الفايبروماليجيا منعتني من ممارسة هذه المتعة اليومية والتي قررتُ استبدالها بتقنية التنفس وبتقنية الصيام المتقطّع التي تمنح جسمي الوقت الكافي لحرق السعرات وإبقاء عملية الأيض نشِطة.
رحلة التشافي الذاتي لا تشبه علاجاً طبياً بجرعة محددة ونتيجة مضمونة. إنها حوار مستمرّ مع النفس، ومع الجسد، ومع الحياة بكل تناقضاتها. ربما لم أُشفَ تماماً من الفايبروماليجيا، لكنني تصالحت مع فكرة أن التشافي ليس غياب المرض، بل القدرة على العيش بسلام، رغم وجوده.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.