منذ بداياته، أثبت رامي العلي أنّه ليس مجرد مصمّم أزياء، بل شاعر للخامة والخطوط، يحوّل النسيج إلى لغة ويترجم الحلم الأنثوي إلى واقع ملموس. في مجموعته الجديدة لعرائس عام 2026، والتي حملت عنوان Visual Symphony، يذهب المصمّم السوري العالمي نحو مستوى آخر من البحث في بنية الفستان العرائسي، مستعيناً بالموسيقى كأفق إبداعي ليستحضر منها التوازن، الإيقاع، والتناغم.
سيمفونية من خيوط وأحلام
المجموعة تُشبه لوحة أوركسترا ضخمة، حيث يتقاطع كل تفصيل مع الآخر ليولد سيمفونية بصرية من الضوء والحركة. وكما تُنسّق آلات الموسيقى بين النغمات العالية والمنخفضة، يوازن رامي العلي بين الصرامة المعمارية في القصّات وبين انسيابية draping رقيقة تحاكي تدفق الألحان. النتيجة هي فساتين تحمل توقيعاً عصرياً لا يشيخ، حيث الحداثة تتماهى مع الأبدية.
لغة الخامة: من الصلابة إلى الشفافية
يعتمد المصمّم على عدد محدود من الأقمشة، لكن اختيارها دقيق وذو دلالة. الميكادو ساتان يمنح البناء والصرامة، وكأنّه القسم النحاسي في الأوركسترا، أساس متين للنغمة. في المقابل، يأتي التول الحريري كآلة وترية، يضيف خفة وشفافية تتماوج مع الحركة. أما الدانتيل الناعم فيحضر كتفصيل زخرفي، مثل نوتة مفاجئة تُضفي بُعداً جديداً للنغم. هذا التنويع لا يهدف إلى الإبهار فقط، بل إلى خلق عمق بصري وملمسي، حيث كل خامة تؤدي دورها في التكوين العام.
زخارف من زمن الباروك
الزينة المطرّزة لم تأتِ هنا كترف زائد، بل كحوار مع التاريخ. استوحى العلي نقوشه من الزهور والباروك، لكنّه قدّمها بلغة حديثة عبر التطريز اليدوي، الخرز، والخيوط الدقيقة. اللافت أنّ هذه التفاصيل لا تُغرق الفستان في ثقل بصري، بل تكمّله بهدوء، كما لو أنّها همسات موسيقية خفيّة تعزّز الإيقاع من دون أن تطغى عليه.
تنوّع في الخطوط والشخصيات
من الناحية البنيوية، تتراوح القصّات بين صدريات ضيقة تُبرز الخصر بدقة، وبين تنانير فخمة تتحكّم فيها البنية من دون أن تخنق الحركة. ويفتح رامي المجال أمام العروس لتختار شخصيتها عبر التفاصيل: ياقة عالية أو مفتوحة، أكمام طويلة أو مكشوفة، ذيل طويل أو قصير. هذا البعد الموديولاري ليس مجرد ترف، بل يعكس وعياً معاصراً بأن العروس اليوم تبحث عن التخصيص أكثر من القوالب الجاهزة.
رؤية شخصية: عروس تستمع إلى موسيقاها الخاصة
برأيي، ما يميّز هذه المجموعة ليس فقط براعة الحرفة أو جودة الأقمشة، بل الفلسفة التي تقف خلفها. رامي العلي يعيد تعريف الفستان العرائسي بوصفه ليس مجرد زيّ للاحتفال، بل مساحة شخصية تتحاور فيها العروس مع ذاتها. إنّها عروس لا تذوب في الصخب الاجتماعي، بل تصغي إلى موسيقاها الداخلية. وهنا تكمن فرادةVisual Symphony أنّها تمنح لكل امرأة حقها في أن تعزف لحنها الخاص، أن تكون الفرد بين الجماعة، الصوت المنفرد وسط الأوركسترا.
عراقة تنبض بالعصر
بخلاف العديد من المجموعات التي تركّز على الزخرفة كوسيلة للإبهار اللحظي، يقدّم رامي العلي رؤية أكثر عمقاً: فساتين عرائس تحمل روحاً معمارية، موسيقية، ووجدانية في آن. إنّها ليست مجرد تصميمات، بل أعمال فنية تتحرك وتتنفس مع من ترتديها. وفي هذا تكمن قوة المصمّم: أن يظل وفياً لأناقته المرهفة، وفي الوقت نفسه قادراً على التجديد بما يخاطب لغة المرأة العصرية.
Visual Symphony ليست فقط مجموعة عرائس، بل قصيدة بصرية تؤكّد أن الموضة، حين تلتقي بالموسيقى، تولد حياة تتجاوز اللحظة وتبقى محفورة في الذاكرة.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.