في أسبوع ميلانو للموضة، تحوّل عرض أمبوريو أرماني لربيع وصيف 2026 إلى أكثر من مجرد تقديم لمجموعة جديدة، كان بمثابة طقس جماعي، ودراسة بصرية حول معنى الاستمرارية بعد غياب مؤسس العلامة، جورجيو أرماني. فالعرض الأول من دون "ملك البساطة" حمل ثقل العاطفة، لكنه في الوقت نفسه أكد على قوة الإرث الذي أسّسه، وعلى حيوية لغة تصميمه التي لا تزال تعيد تعريف الأناقة حتى اليوم.
المجموعة صِيغت تحت عنوان "الخفّة"، ليست خفّة الهشاشة، بل خفّة الفلسفة والوجود. أرماني لطالما آمن بالتحرر من القيود وبفكرة البساطة المتقنة، وهذا ما بدا جلياً منذ الإطلالات الأولى: ألوان حليبية، لمسات بنفسجية، رمادي لؤلئي وبيج رملي. التصاميم انطلقت مع بدلات مفككة البنية، سترات ناعمة الأكتاف وسراويل واسعة الأرجل، وكأنها دعوة إلى التنفس بحرية داخل الأزياء.
العلامة لم تتردد في استحضار مؤثرات ثقافية متشابكة: نفحات مغربية، إشارات إلى اليابان التي أحبها جورجيو أرماني، وصور سينمائية تُعيد رسم أجواء الحنين. كل ذلك انصهر في هوية أنثوية تحتفي بالذات: أنثى مرحة، جريئة حيناً، متأملة حيناً آخر، لكنها دائماً متمسكة براحتها الداخلية وبقدرتها على الحركة بانسيابية. كان من اللافت تداخل الطبقات الشفافة التي خلقت هندسيات ضوئية، من القمصان الخفيفة التي تنزلق فوق التنانير السائلة، إلى الصدريات الملمّعة التي تعانق الأقمشة المتطايرة.
أما في القسم الثاني من العرض، فتغيرت النغمة البصرية. لوحات لونية أكثر كثافة برزت: الأزرق الليلي، الرمادي المعدني، تداخل البنفسجي مع التركواز. هنا، تحوّلت الفساتين إلى ما يشبه "منحوتات سائلة" تتماوج مع الخطوات، أو تصاميم مطوية عمودياً تبرز الحركة وتمنح الجسد امتداداً أطول. الأقمشة المرصعة بالكريستال، الفساتين الطويلة بدرجات الأكوامارين والليلك، مع الخيوط المهدبة والخرز المتطاير، بدت كأنها رقص بصري معلّق في الهواء.
لكن ما جعل العرض أكثر من مجرد استعراض للأزياء هو طابعه الرمزي. كان التصفيق الختامي أشبه بوقفة إجلال ووداع، لكنه أيضاً وعد بالاستمرار. إرث جورجيو أرماني لم يُغلق فصله هنا، بل تجدد في لغة تصميمية تؤكد أن الأناقة الحقيقية لا تموت، بل تتحوّل إلى مدرسة خالدة.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.