زياد الرحباني يرحل بصمت.. فنان غنّى للناس وناضل من أجلهم | Gheir

زياد الرحباني يرحل بصمت.. فنان غنّى للناس وناضل من أجلهم

مشاهير  Jul 26, 2025     
×

زياد الرحباني يرحل بصمت.. فنان غنّى للناس وناضل من أجلهم

في مفارقة مؤثرة تُشبه لبنان بتناقضاته الجميلة والموجعة، استقبلت بيروت أمس المناضل اللبناني جورج عبدالله بعد 40 عاماً قضاها في السجون الفرنسية دفاعاً عن القضية الفلسطينية، فيما استيقظت صباح اليوم على خبر رحيل أحد أبرز رموزها الثقافية، زياد الرحباني، عن عمر ناهز السبعين عاماً. وبين الحدثين، تتقاطع سيرة رجلَين نادريَن، ناضل كلٌّ بطريقته: جورج بالسلاح والموقف الثابت، وزياد بالأغنية والمسرح والنغمة المتمرّدة.

الجامع بينهما ليس فقط الانتماء إلى الفكر اليساري الشيوعي، بل الإيمان العميق بعدالة القضايا التي حملاها، وبأن الكلمة – كالرصاصة – قادرة على إشعال الوعي وتغيير الواقع. زياد الذي توفي صباح اليوم في أحد مستشفيات بيروت بعد تدهور حالته الصحية، يترك خلفه إرثاً فنياً وسياسياً صادقاً، لم يساوم فيه يوماً، بل ظلّ وفياً لقناعاته، مناصِراً للفقراء، كاشفاً تناقضات السلطة، وصوتاً لا يشبه سواه.

صوت التمرّد والابتكار في الموسيقى اللبنانية

في عالم موسيقي مشبع بالتقاليد، شكّل زياد الرحباني حالة استثنائية في المشهد اللبناني والعربي. ابن السيدة فيروز والراحل عاصي الرحباني، لم يكتفِ بأن يكون امتداداً لعائلة فنية عريقة، بل اختار أن يكون صوتاً منفرداً، ناقداً، وجريئاً، حاملاً قضايا الناس وهمومهم اليومية إلى المسرح والموسيقى.

منذ بداياته في سبعينيات القرن الماضي، قدّم زياد لغة موسيقية خاصة، تمزج بين الجاز والموسيقى الشرقية، وبين الكلمة الساخرة والنغمة العميقة. مسرحياته مثل "بالنسبة لبكرا شو؟" و"فيلم أميركي طويل" لم تكن مجرّد أعمال فنية، بل مرآة لواقع اجتماعي وسياسي متقلب، قدمت من خلالها شخصيات تنبض بالحياة وتخاطب وجدان الشارع اللبناني.

أهمية زياد الرحباني لا تقتصر على عبقريته الموسيقية فقط، بل تمتد إلى كونه مفكّراً وفناناً ملتزماً بقضايا الإنسان، رافضاً للتسطيح والتجميل المصطنع. موسيقاه تقاوم النسيان، وتُعيد تشكيل الوعي الفني والسياسي لجيل كامل.

بكل اختصار، زياد الرحباني ليس مجرد مؤلف موسيقي، بل حالة ثقافية متكاملة، لا تزال تلهم وتثير الأسئلة، وتؤكد أن للفن رسالة لا تُختصر بالنغم فقط.

عبقرية فنية جمعت الموسيقى بالكلمة والموقف

منذ انطلاقته، ترك زياد الرحباني بصمة لا تُمحى في الفن اللبناني، مقدّماً أعمالاً موسيقية ومسرحية خارجة عن المألوف، تنبض بالواقع والصدق. من أبرز مسرحياته: بالنسبة لبكرا شو؟، فيلم أميركي طويل، ونُزل السرور، التي مزج فيها النقد السياسي بالسخرية السوداء، وجسّد من خلالها شخصيات تشبه المواطن اللبناني في همّه اليومي وحلمه المؤجّل.

على الصعيد الموسيقي، تعاون زياد مع عدد من الأسماء التي باتت مرتبطة بفنه ارتباطاً عضوياً، أبرزهم الفنان الراحل جوزيف صقر الذي شكّل صوته الحنون والعفوي الامتداد الطبيعي لألحان زياد وكلماته. من الأغنيات الخالدة التي جمعتهما: أنا اللي عليكِ مشتاق، طلّي ضحكيلو يا صبية، عودك رنان، وبغير ديني، التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الجماعية اللبنانية.

أما الشاعر طلال حيدر، فكان شريكاً شعرياً لزياد، اذ جمعت بينهما قصائد عذبة بلهجة محكية أصيلة، من أبرزها بالليل واشتقتلك، التي لحّنها زياد وغنّتها فيروز، لتكون مثالًا على التقاء الكلمة بالشعور الصادق والحنين العميق.

أعمال زياد ليست مجرّد إنتاجات فنية، بل مشروعات فكرية تعكس نظرة ثاقبة للمجتمع، وتبقى حيّة بفضل صدقها وجرأتها وقربها من الناس.

حين تصبح الموسيقى موقفاً سياسياً

لم يكن زياد الرحباني مجرّد موسيقي ومسرحي بارع، بل كان أيضاً صاحب موقف سياسي واضح وصريح، جعل من فنه منبراً للتعبير عن قناعاته اليسارية، وانحيازه الدائم لقضايا الطبقات المهمشة والمظلومين. في زمن الانقسامات اللبنانية الحادة، تميّز زياد بجرأته في مقاربة السياسة من منظور شعبي، ناقد وساخر، دون أن يخشى الاصطفاف أو المجاهرة بموقفه.

ارتبط اسم زياد بشكل وثيق بالحزب الشيوعي اللبناني، وعبّر عن ذلك من خلال عدد من الأعمال الغنائية والمسرحية، كان أبرزها تلحينه وتوزيعه لنشيد الأممية الذي أصبح رمزاً لنضال اليسار اللبناني والعربي. في هذا النشيد، تمكّن زياد من تحويل الشعارات السياسية إلى موسيقى تُحرّك المشاعر وتوحد الصفوف، مستخدمًا التوزيع الأوركسترالي والغناء الجماعي بأسلوب درامي مهيب.

إلى جانب نشيد الأممية، قدّم زياد مجموعة من الأغنيات الوطنية التي تمجّد المقاومة وتُدين القمع والفساد، بأسلوب نقدي مباشر وشفاف، عكس روح الشارع اللبناني وحلمه بالتغيير. وفي كل عمل، ظلّت البصمة الرحبانية حاضرة، لكن بجرأة جديدة، أكثر حدّة وارتباطاً بالحياة السياسية المعاصرة.

زياد الرحباني لم يفصل يوماً بين الفن والسياسة، بل آمن بأن الموسيقى قد تكون سلاحاً ثقافياً يُعبّر عن الوعي والانتماء، ويُشعل شرارة التغيير.

عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.

المشاهير