لقد لمع نجمها وتفوقت على الكثيرين في مجال الإخراج السينمائي، وما فيلها الأخير "المرشّحة المثالية" إلا أبرز دليل على قدرتها على محاكاة الواقع بأسلوب مؤثر يجمع الواقعية والحلم في آن معاً. تمّ ترشيح الفيلم الذي يُعرض حصرياً على قناة OSN، إلى العديد من المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان البندقية، وهو من بطولة ميلا الزهراني، ونورة العوض، وخالد عبدالرحيم وضي، ويتناول قصة طبيبة سعودية شابة تسعى إلى تغيير نمط التفكير المتحفّظ فى مجتمعها ويحاول استعراض العقبات التى تواجه امرأة تترشّح لمنصب محلّي بسبب التمييز على أساس الجنس. ويعكس الفيلم التغييرات التى تشهدها المملكة، التى وصلت إلى تخفيف قيود نظام ولاية الرجل، إذ يبدأ ببطلة الفيلم مريم وهي تقود سيارتها. وعندما تفشل رحلة خطّطت لها إلى دبي، ينتهى المطاف بمريم وهي تضع اسمها في قائمة المرشّحين للمجلس البلدي، وبسبب شعورها بالإحباط من عدم تمهيد طريق للمركز الطبي الذى تعمل فيه، تتعهّد مريم بأن تفعل ذلك بنفسها إذا فازت. وتطلق مريم حملتها الانتخابية بمساعدة شقيقاتها على الرغم من مواجهتها الكثير من الاعتراضات والقواعد التمييزية بسبب كونها امرأة، وتقول هيفاء إنها تأمل أن يبعث الفيلم رسالة تمكين للسعوديات.
للحديث أكثر عن هذه التجربة الإخراجية وعن تزامنها مع الإصلاحات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن التحديات التي واجهتها، كان لنا الحوار التالي مع هيفاء المنصوري:
فيلمك الأخير "المرشحة المثالية" جاء بعد إعلان رؤية 2030 في السعودية. هل كان هذا الفيلم ليكون ممكناً قبل بدء عجلة الإصلاحات الكبيرة في السعودية؟
تمضي عجلة الحداثة في المملكة العربية السعودية اليوم بوتيرة متسارعة، كما نشهد الكثير من التغييرات خلال وقت قياسي، لذلك فإن الاستيعاب الكامل لهذه المجريات يكون صعباً في البداية. أردت لفيلمي أن يجسد هذه المرحلة الانتقالية للمجتمع وكيفية إدراك العامة لهذه التغييرات.
تُعد كافّة التحولات التي تمسّ بواقع المرأة السعودية تغييرات محوريّة لها تأثير كبير في المنطقة، ولهذا قررت أن يبدأ الفيلم بمشهد الشخصية الرئيسة وهي تقود السيارة، فقد كان هذا السلوك مستحيلاً منذ عدّة سنواتٍ مضت. أمّا اليوم، فقد نالت النساء حرية قبول هذه التغييرات في حياتهنّ الخاصّة، وخوض كافّة التحديات التي تحفّ بتجربة شيء جديد. لم يعد الضغط على صاحبات الفكر الثوري اللواتي كافحن لإحداث هذه التغييرات، بل بات على عاتق من يخشون تبنّي التغيير. آمل أن تبدأ المزيد من النساء بقيادة السيارات والسفر والعمل جنباً إلى جنب مع الرجال وممارسة كل ما يولّد السعادة في نفوسهن؛ حقاً لقد آن الأوان.
الأفلام لا تروي فقط قصصاً عابرة، وإنما تحمل غالباً رسائل قوية يصعب التعبير عنها بطريقة مباشرة. ما هي الرسالة التي تريدين نشرها من خلال هذا العمل؟
أردت في هذا الفيلم بالتحديد أن أروي قصّة امرأة تقليديّة من بيئة محافظة تقرّر مواكبة التغييرات الحاصلة واغتنام الفرصة. ورغم أن رحلتها ستكون صعبة في واقع الأمر، وستواجه خياراتها انتقادات العديد من الأشخاص، لكنّها في نهاية المطاف ستفتح لها أبواب عالمٍ جديد. أردت أن أؤكد للنساء السعوديات على أهمية الانطلاق واستثمار الفرص، حتّى وإن لم يكن لديهنّ خبرات كافية. أعلم أنّ الأمر ما يزال صعباً عليهن، وأدرك شعور الخوف والتوتر حيال خوض تجارب غير معهودة في السابق مثل قيادة السيارات أو السفر أو كشف وجوههن.
كما أردت أن أعود بالزمن للاحتفاء بالمورث الثقافي والفنيّ القويّ للملكة العربية السعودية، ورواية قصّة تؤكد أهمية اعتمادنا على هذه التقاليد كأساسات لتطور مجتمعنا. لقد كاد معظم موروثنا من الموسيقى والمسرح والقصص وكافّة أشكال التعبير الفنيّ أن يُمحى من ثقافتنا بالكامل. لذلك فقد شعرت بأننا بحاجة إلى قصّة تستحضر تراثنا الفنّي القوي ودوره في دفعنا قدُماً نحو مستقبل مشرق.
من بين شخصيات الفيلم، مَن هي الشخصية الأقرب إلى قلبك، أو الشخصية التي أثّرت بكِ كثيراً؟
شخصية الأب في الفيلم هي أكثر الشخصيات المفضّلة لدي؛ إذ أعتقد أن الوقت قد حان لتكريم تضحيات وعطاءات الفنانين والموسيقيين للحفاظ على ثقافتنا الفنيّة خلال العقود القليلة الماضية. لقد واجهوا الكثير من الانتقادات، ولم يحظوا بالكثير من الفرص لوقتٍ طويل. أفخر بتكريم كلّ الموسيقيّين في الفيلم من خلال منحهم منصة تعكس صدى إبداعاتهم. لقد كان من الرائع تصوير مشاهد الحفل الموسيقيّ ورؤية الجميع يرقصون ويستمتعون بالموسيقى؛ كان هذا أمراً متميزاً بالنسبة إليّ.
بعدما شاهدتِ الفيلم على الشاشة لأول مرة، كيف كان شعورك؟ هل تمنّيتِ لو أن بعض الأحداث اتّخذت منحى آخر؟ أم أنك راضية تماماً عن النتيجة النهائية؟
لقد كنت متحمسة لرؤية العرض الأول من الفيلم في المسابقة الرئيسة في مهرجان البندقية السينمائي، وفي مهرجانات سينمائية أخرى من بينها صاندانس وتورونتو ولندن. أشعر بالفخر لتمثيلي المملكة العربية السعودية في هذه الفعاليات لأبرهن للعالم أننا قادرون على صناعة أفلامٍ ترتقي إلى أعلى مستويات المنافسة. شكّلت صناعة الفيلم تحدّياً بالنسبة إلي، وبالطبع هناك أشياء كنت لأفعلها بأسلوبٍ مختلف إن أتيحت لي الفرصة. لكنّي سعيدة جداً بالنتيجة النهائية وأشعر بالحماسة لمشاركة هذا العمل مع الجمهور من كلّ أنحاء العالم.
نعلم بأن الفيلم صُوّر في السعودية، وقد عُرض في العديد من المهرجانات من بينها مهرجان البندقية. كيف كان انطباعك عن تقبّل المشاهد الأجنبي لطبيعة الحياة الخليجية التي حاولتِ التعبير عنها في الفيلم؟
فوجئ العديد من المشاهدين الأجانب عند عرض فيلم "وجدة" بقوّة النساء السعوديات وجرأتهنّ. فقد كان هناك حكم مسبق عن كوننا نساء ضعيفات وخجولات نخشى العالم، وأننا مجرّد ضحايا نخضع لظروف ثقافتنا المحدودة والمؤطرة بالقيود. لكنّ هذا غير صحيح. فالنساء السعوديات يتحلّين بشخصية قوية ومرحة وذكية. آمل أن يتمكّن هذا الفيلم من تصوير جرأة وشجاعة هؤلاء السيدات اللواتي أفخر بسرد قصصهن.
وآمل أيضاً أن يطرح نقاشاً بشأن إيجاد أفضل الطرق لتعزيز التغيير ضمن المجتمع. هنالك من يظن أنّ التغييرات الجذرية القوية هي الطريقة الوحيدة لإحداث تحولات ثورية في الثقافة. لكنني أؤمن بأن التغيير الحقيقيّ يأتي من أحداث بسيطة متتالية تشكّل أساساً لآفاق فنيّة وثقافيّة من خلال التفاني والعمل الدؤوب. وأعتقد أنه من الضروريّ جداً طرح هذا الحوار اليوم، إذ إن الأشخاص المتعصّبين لآرائهم ومواقفهم لا يتحلّون بتسامح وانفتاح تجاه الوسط المحيط.
اليوم نرى العالم كله يدعم حقوق المرأة وينادي بإلغاء جميع أشكال التمييز ضدها. هل أنتِ راضية عن الحالة التي وصلت إليها المرأة عربياً وعالمياً؟ هل تظنين أن حملات دعم المرأة كافية لتحقيق تغيير جذري على أرض الواقع؟
أؤمن بأن الفن هو الطريقة الأفضل لإحداث التغيير وبدء حوارٍ مجتمعي، وأنّ التغيير الحقيقي سيثمر عن عملنا الدؤوب الذي يعكس للعالم أننا قادرون على تحقيق كافّة الأهداف التي نضعها نصب أعيننا. ففي مجال صناعة الأفلام على سبيل المثال، أشعر بتفاؤل كبير لأن إيرادات شبّاك التذاكر تعكس بوضوح نجاح منح النساء فرصة سرد قصصهن الحقيقية بصوتٍ عالٍ، ما ينفي الافتراضات القديمة التي تشير إلى عدم وجود جمهور يرغب في سماع قصص النساء أو مشاهدة أعمال أبطالها إناث. ما زالت المعركة بطيئة وصعبة، وما زالت الفرص قليلة ونادرة، لكن الأمر يعود لنا للمضي قدماً والبحث عنها. أؤمن بضرورة التركيز على كلّ مرحلة في هذه المعركة وإطلاق فرص حتى في غياب الأمل بوجودها. إنني متفائلة بأن الجيل الجديد من المخرجات السينمائيات سيدخلن عالم صناعة الأفلام بخطوات واثقة لأنهن مدركات أهمية وقع أصواتهن، وهناك من يتوق لسماع قصصهن. وتمثّل هذه الثقة المبنيّة على نتائج قويّة نقلة نوعيّة كبيرة.
كونك سيدة خليجية تعملين في مجال يسيطر عليه الرجال عادةً، كيف استطعتِ التغلّب على كل التحديات وتحقيق هذا الكم من الإنجازات؟
تواجه النساء مثل هذه التحديات في أماكن العمل في كلّ أنحاء العالم. وبالنسبة إليّ، فقد كان من الضروريّ دائماً أن أركّز على أهدافي لا على المعوقات التي تواجهني. ودائماً ما أسلّط الضوء في أفلامي على البطلات اللواتي يرغبن في العمل بجدّ وأداء أدوارهن بأفضل ما يمكن. في هذا الفيلم أردت أن أبتكر شخصيّة تمثّل العقليّة السائدة للنساء السعوديات، فهي تغطّي وجهها وتتبع المعايير الثقافية في المجتمع، لكن الحال ينتهي بها وهي تتجاوز هذه الحدود لأنها أرادت أن تنجز عملها على أتمّ وجه؛ حيث أحبطتها القيود التي تمنعها من أداء عملها بالنحو الذي يمكن أن يُفيد المجتمع ودفعتها إلى التفكير خارج النطاق التقليدي. فهي لم تتمرّد لمجرّد التمرّد، بل كانت تعلم أن عملها يمكن أن يساعد في جعل بلدها مكاناً أفضل، لذلك أرادت أن تزيل كافّة الحواجز التي تمنعها من إتمام مهمتها. أؤمن بأنّ هذه هي طريقة إحداث التغيير الحقيقي في المجتمع؛ أي من خلال أشخاص يعملون بجد ويسعون إلى الوصول إلى أقصى إمكانياتهم.
ما هو حلمك الأكبر كمخرجة أفلام خليجية؟ وهل هناك عمل ما زلتِ تحلمين بإخراجه؟
يتمثّل هدفي الرئيس في إخراج أفلام تحمل مكانة رفيعة، محلياً وعالمياً، وتدفع الناس لطرح النقاشات والسعي السلمي إلى إحداث تغيير إيجابي. تركّز كافّة الأفلام التي أخرجتها على بطلة قويّة ترفض أن تكون ضحيّة. تلك هي القصص التي أظن أنها أكثر إثارة وتأثيراً في إلهام التغيير الإيجابيّ. لقد تمحور دافعي الأساسيّ في فيلم "وجدة" حول صناعة فيلم ملهم لا يصوّر النساء السعوديات ضحايا بقدر ما يبيّن قدراتهنّ على قيادة التغيير. ويبقى هذا هدفي عند إخراج أفلامٍ عن نساء قويات حول العالم.