في عرض أقيم يوم أمس في قلب فلورنسا ،– المدينة التي وُلدت فيها دار غوتشي عام 1921 – أعادت العلامة الإيطالية تعريف معايير الفخامة، مودّعةً بذلك مفاهيم "الفخامة الهادئة" أو Quiet Luxury، التي سادت المواسم الماضية، ومرحّبة مجدداً بعالم الأزياء المبالغ فيها بلمسة فنية مدروسة.
في قصر Palazzo Settimanni العائد للقرن الخامس عشر، والذي أصبح مؤخراً بمثابة الأرشيف الرسمي للدار، كشفت غوتشي عن آخر مجموعة من توقيع فريقها الإبداعي الحالي، قبل تسليم الشعلة لديمنا غفاساليا في يوليو القادم. ومنذ الإطلالة الافتتاحية والتي تكونت من تنورة قصيرة من الجلد المزيّن بالمسامير، جوارب بشعار الدار، دانتيل وفرو، ولمسة بنفسجية على الحذاء، – كان واضحاً أن العرض لا يطمح للهدوء، بل للاحتفال الصاخب بتاريخ الدار.
حملت مجموعة كروز 2026 إحساساً قوياً بالاستمرارية والتقدير العميق للأرشيف. إذ ستمدت إلهامها بكثافة من التاريخ الغني لتصاميم الدار، المحفوظة ضمن أرشيف يضم أكثر من 46,000 قطعة، لتعيد إلى الواجهة بصمات أيقونية من عصور مختلفة. رأينا بنطلونات لامعة مرصعة بالكريستال تذكّر بأسلوب دي سارنو، فساتين حريرية انسيابية تستحضر أناقة فريدا جيانيني، أزياء سهرة تنضح بالإغراء على خطى توم فورد، وبلوزات مستوحاة من الطابع الرومانسي لأليساندرو ميكيلي، – كلها أعيد تقديمها بلمسات معاصرة وتغييرات دقيقة في القصّات والتنسيق. كما برزت لمسات خفية من اللغة التصميمية لديمنا، لا سيما في القصّات الواسعة والبنية الحادة للأكتاف، والتي ظهرت على بعض الحاضرين، من بينهم فرانشيسكا بيليتيني من مجموعة كيرينغ، في إشارة هادئة لما قد تحمله المرحلة القادمة تحت القيادة الإبداعية الجديدة للدار.
تجلّت العناصر الأرشيفية أيضاً في كل قطعة: من أسلوب "الإنـدي سليز" في أواخر الألفينات، إلى بدلات الثمانينات القوية بطابع office-core، وصولاً إلى رومانسيات السبعينيات مع الكشاكش، والأقمشة الفلورنسية الفاخرة من المخمل والحرير والدانتيل. شعرنا وكأننا نتنقّل بين العقود لكن بلمسة حديثة نابضة بالحياة.
تلاعب بالصيحات
أما أكثر ما لفتنا في العرض، فهو قدرة غوتشي على التلاعب بالصيحات المؤسسية المعاصرة – البناطيل الرسمية، التنانير المستقيمة، السترات الواسعة – ودمجها بإكسسوارات ضخمة وأقراط مبالغ فيها، فحوّلت الـcorpcore إلى فن بصري فيه جرأة ومرح.
ولمن كان يعتقد أن زمن الشعارات قد ولّى، فغوتشي تقول العكس: الشعار الكلاسيكي المتداخل GG عاد بقوة، في حين أُعيد ابتكار حرف G المنفرد بأسلوب عصري، من الأبازيم إلى الكعوب وحتى حقيبة جديدة تحمل اسم Gucci Giglio، تكريماً لزهرة الزنبق، رمز فلورنسا الخالد.
وقد كانت الرمزية الفلورنسية حاضرة بعمق في تفاصيل المجموعة، لا سيما من خلال حقيبة "غوتشي جيليو" الجديدة، التي استوحي اسمها من زهرة الزنبق، رمز مدينة فلورنسا، وطرحت مباشرة للبيع تماشياً مع توجه "شاهِد الآن، اشتَرِ الآن" الذي بات يتصدر مشهد الموضة العالمي.
من ملابس العمل إلى السهرات
من ناحية ثانية، بدا التحول من طابع العمل إلى السهرات سلساً ومترفاً، مع الريش والدانتيل والفساتين المرصّعة بالترتر. ولم تغِب المجوهرات الفاخرة، التي ظهرت بتعاون خاص مع دار Pomellato، مما أضفى على العرض لمسة لامعة تستحق السجادة الحمراء.
فما الذي يجب أن نأخذه من هذا العرض؟ أن الجرأة لا تزال سيدة الموقف، وأن الأناقة ليست بالضرورة في الكمال، بل في "اللافت المتقن" – أو ما تصفه غوتشي بكلمة sprezzatura الإيطالية: العفوية المدروسة. بالنسبة لي، هذه المجموعة أعادت تعريف الحنين بطريقة غير متوقعة، مزجت بين قوة الماضي وشغف الحاضر، لتؤكد أن غوتشي، في كل مرة، تعرف تماماُ كيف تبهرنا… دون أن تعتذر.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.