تتقدّم موضة Office Siren اليوم كأحد أكثر التيارات رواجاً على منصات التواصل، بعدما خرجت من إطار كونها مجرد إعادة تدوير لأسلوب الملابس المكتبية التقليدية، لتتتحوّل إلى صيغة أكثر جرأة ورقياً. هذا الاتجاه لا يكتفي باستعارة ملامح الثمانينيات من قصّات حادة وخطوط قوية، بل يعيد تشكيلها بروح معاصرة تمزج بين الأنوثة، الجمال، والثقة، وتقدّمها خارج جدران المكتب لتصبح خياراً مثالياً للسهرات والمناسبات وحتى الإطلالات اليومية المميّزة. إنه خطاب جمالي جديد يعيد قراءة القوة بأسلوب فائق الأناقة.
المكاتب مصدر إلهام جديد
من المثير أن يعود عالم الموضة اليوم إلى لغة الملابس المكتبية في وقت يبتعد فيه كثيرون عن نمط العمل التقليدي. لكن ما يميّز موضة Office Siren هو ابتعادها عن الصيغة الجامدة للبدلات المعروفة، وتركيزها على روح القوة التي تحملها تلك القطع. فالبدلة هنا لا تُرتدى لتأكيد الانضباط، بل لتجسيد شخصية جريئة، واعية، وتملك حضوراً لافتاً أينما حلّت. انطلقت هذه الموجة عبر تيك توك وإنستغرام، حيث قدّمت المؤثرات وصانعات المحتوى قراءة جديدة للبساطة الرسمية، محوّلاتها إلى صيغة أكثر نعومة وحدّة في الوقت نفسه.
قوة الثمانينيات… بعيون الحاضر
تعيد هذه الموضة إحياء مفهوم power dressing الذي ميّز حقبة الثمانينينات، لكن بعد تحديثه ليتماشى مع حساسية الجيل الجديد. العقد الضيقة، الأكتاف البارزة، القمصان البيضاء الملساء… كلها عناصر استُحضرت من تلك الحقبة، لكن بأسلوب يعكس الجمال العصري: ياقة مفتوحة أكثر، قصّات تحتضن الجسد، أقمشة فاخرة كالصوف الخفيف والساتان، وتفاصيل دقيقة توازن بين الذكورة والأنوثة. إنها عودة إلى القوة، ولكن بنبرة أكثر ليونة وخفة، تعكس تطور مفهوم المرأة القوية اليوم.
أنوثة لا تخشى الظهور
رغم أن الأسلوب يستلهم ملابس العمل، إلا أن التعديلات التي دخلت عليه منحته بُعداً إغوائياً واضحاً. علامات مثل YSL وGivenchy و Helsa Studio قدّمت قطعاً تجمع بين القصّات الحادة والتفاصيل الجريئة، من الشقوق الدقيقية إلى الياقات المفتوحة والخصر المعرّى. هذه القطع، رغم مظهرها المهني، صُمّمت أصلاً للسهرات واللقاءات الاجتماعية، وليس للمكاتب التقليدية. إنها قراءة ساخرة وذكية لفكرة الاحتشام الرسمي، حيث يُسمح للجرأة أن تتقدم خطوة إضافية من دون فقدان الرصانة.
الأسود ملك الصيحة
يبدو أن اللوحة اللونية للـ Office Siren تميل إلى البساطة الفاخرة، وعلى رأسها اللون الأسود بلمعاته المتعددة، من المات إلى الحريري. الأحادية تضيف إحساساً بالثبات والقوة، بينما تتولى الإكسسوارات لعب الدور الحاسم: حذاء مدبّب، حقيبة بحجم صغير، نظارات شفافة، أو مجوهرات متقنة التصميم. كلها عناصر تُكمّل الإطلالة من دون أن تطغى عليها.
بين الدراما السينمائية ونجوم اليوم
لم تكن هذه الموضة لتترسّخ لولا مرجعياتها السينمائية. يكفي أن نتذكر شخصية جيزيل بوندشن في The Devil Wears Prada، التي حملت طابع المساعدة الأنيقة ذات القوة الهادئة. اليوم، تستعيد النجمات هذا الحس عبر لمسات أكثر مباشرة، مثل ما قدّمته كيم كارداشيان مع قطعة Skims الأخيرة التي أعادت تسليط الضوء على مفاهيم الإبراز الأنثوي في إطار شبه مكتبي. هذا التلاعب الذكي بأسلوب المرأة العاملة ساهم في انتشار الظاهرة، حتى تحوّلت إلى أحد رموز الأناقة المعاصرة.
رسالة موضة تتجاوز حدود المكتب
في جوهرها، لا تتتعلق موضة Office Siren بإعادة ارتداء ما كنا نرتديه في بيئة العمل فحسب، بل بإعادة النظر في القوة الأنثوية نفسها: كيف تظهر؟ كيف تُقرأ؟ وكيف تُترجم عبر الأزياء؟ إنها خطاب جمالي يتحدى فكرة الصرامة المهنية، ويحتفي بالمرأة التي لا تخشى أن تكون قوية وجذابة في الوقت نفسه. كما يقدم هذا الاتجاه قراءة اجتماعية ساخرة وعميقة، كأن الموضة تقول إننا أصبحنا أحراراً في قلب القواعد، وفي تحويل الرسمي إلى مساحة للتعبير الذاتي.
أخيراً، يمكن القول إنه في عالم يبحث دائماً عن صيحات جديدة تعكس روح العصر، تقدّم موضة Office Siren مثالاً واضحاً على قدرة الموضة على إعادة تفسير المفاهيم، وصياغة الجمال بأسلوب غير متوقع. إنها صيحة تجمع بين الماضي والحاضر، وبين الهيبة والأنوثة، لتمنح المرأة مساحة جديدة للتعبير عن حضورها وثقتها بنفسها، داخل المكتب أو خارجه.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.