الدار الفرنسية تدرك هذه الحقيقة، لذلك نراها تسعى اليوم إلى توسيع دائرة وجودها أكثر و أكثر من حول العالم، وليكون حضورها في المدن الرئيسة بنفس مستوى عشق السيدات لتصاميمها.
من هنا، عملت شانيل على إعادة تصميم بوتيكها في نيويورك، وتحديداً في شارع 57th Street الذي بات أكبر متجر لها في الولايات المتحدة على الإطلاق. البوتيك كان قد افتُتح للمرة الأولى في العام 1996، واليوم جرت توسعته لتصبح مساحته 14 ألف قدم مربع، ستُخصص لعرض تصاميم كارل لاغرفيلد من الملابس الجاهزة والحقائب والأحذية والمجوهرات والساعات، فضلاً عن العطور والمكياج.
ولتنفيذ الديكور الجديد للبوتيك، تعاونت شانيل من جديد مع المصمم
Peter Marino الذي تربطه بالدار سنوات طويلة من العمل المشترك، ولهذا فهو يفهم العمق التاريخي للدار ويدرك معاييرها، وقد نجح من جديد في ابتكار ديورات داخلية تتماهى من اللمسة الفنية الخاصة بشانيل وتعكس قيمها التي تتجلى في الإبداع، الحرفية العالية، والمواد الحصرية.
هذا البوتيك هو أشبه باحتفال بالدار، تصميمه الخارجي يعكس أناقته الداخلية، فواجهته تتميز برسومها الخارجية التي تتكون من ألواح بيضاء مطبوعة من الزجاج ومؤطرة بشبكة معدنية سوداء رفيعة، عاكسة بالتالي لوحة الألوان الخاصة بشانيل، ونمط قماش التويد الذي يُعد بصمة الدار الأيقونية.
يتكون البوتيك من الداخل من 5 طبقات، بعدما كان عبارة عن 3 طبقات فقط، وتتوسطه مجسمات فنية مستوحاة من اللؤلؤ للفنان والنحات الفرنسي
Jean-Michel Othoniel. لهذا الفنان أسلوب خاص في تنفيذ المجسمات، فكل أعماله مستوحاة من اللؤلؤ، ولأن اللؤلؤ دائم الحضور في أكسسوارات شانيل، بدا التعاون بينهما بمثابة النتيجة الحتمية.
إن النقطة المحورية المتميزة في البوتيك هي منحوتة درامية لعقد متشابك يتدرج أسفل مركز الدرج المركزي المكون من أربعة طوابق، سيبهر الزوار حتماً عند دخولهم الطابق الأول. هذا المجسم المثير للإعجاب البالغ طوله 60 قدماً يجسد سلسلة من اللآلئ الخالدة ، في إشارة إلى قلائد اللؤلؤ العزيزة على مادموازيل شانيل. قطعة مذهلة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ والخرز الزجاجي المذهل، يبدو وكأنه معلق بأسلوب سحري من السقف، ويجعل الكل ينظرون إلى أعلى لمشاهدته بالكامل.
بعد البهو المشرق، يمكن للزبائن التنقل بحرية في الطابق الأول لاكتشاف عناصر الديكور المختلفة، فكل منطقة فيه تستند إلى فكرة فنية خاصة، فيما يتميز الطابق الأول بجدار من الألواح المكلية بالورنيش الأسودا التي تذكر بشرائط كورومانديل المحببة إلى قلب مادموازيل شانيل.
لكل طابق طابعه الخاص ومعروضاته الخاصة، والكثير من الإبداع. فالطابق الثاني يستضيف صالون الأحذية، وهو مزين في وسطه بثريّا رائعة من Goossens، ويضم تشكيلة كاملة من مجموعة الأحذية، بما في ذلك الصندال باللونين البيج والأسود، أحذية البارليرينا، أحذية الشاطئ والسكنيكرز والأحذية الرياضية الرائجة. كما يضمّ هذا الطابق أحدث الابتكارات من شنط شانيل الجديدة.
الطابق الثالث مخصص للملابس الجاهزة، بينما يضم الطابق الرابع صالونين للتشكيلات الجاهزة فضلاً عن الأكسسوارات والمجوهرات والساعات.
ومن المتوقع إعادة افتتاح هذا البوتيك مع إطلاق مجموعةCruise 2018/19 المستوحاة من البحارة والحياة الشاطئية.
ماذا يقول النحات Jean-Michel Othoniel عن تعاونه مع شانيل؟
في مقابلة مع Jean-Michel Othoniel، تحدّث عن أهمية اللؤلؤ في أعماله وشرح: "لقد بدأت بالفعل بصنع الأعمال التي تشبه شكل لؤلؤ في عام 1997 في Guggenheim في البندقية. كان معرضي الأول وكنت أبحث عن عنصر رمزي بالنسبة إلى الجسم. تخيّلت لؤلؤة عملاقة، كبيرة الحجم بالكامل، تشبه شظايا الجسم، تذكّرنا بالثديين من منحنيات يمكن أن تداعبها. أعدت ابتكار هذه اللآلئ على شكل باروكي غير منتظم. يحمل البعض علامة منفاخ الزجاج، بصمة يده، وأحيانا ندوبه. التفاصيل التي كانت جميعها ذات صلة بعملي. أنا من جيل فناني التسعينيات، وهو جيل كان منشغلاً جداً بالمسائل المتعلقة بالجسد".
أما كيف جرى التعاون بينه وبين شانيل، فيقول: "اكتشف المهندس المعماري بيتر مارينو عملي في باريس عام 2004. لقد رأى أشياء في عملي لم أتخيّلها أبداً، لا سيما الاتصال المحتمل مع المنتجات الفاخرة، وهو مجال لم أكن على دراية به في ذلك الوقت. ورأى أيضاً تقاطعاً واضحاً مع قلائد غابرييل شانيل، ومبالغتها في ارتداء أكسسوارات اللؤلؤ وعشقها الكبير لها. جاء السؤال من تلقاء نفسه: كيف نعيد اختراع هذه اللؤلؤة بطريقة نحاسية في عالم خارج عالم الفن المعاصر. يعود تاريخ عملي الأول لـCHANEL إلى عام 2007. هو عبارة عن مجسم موجود في بوتيك هونغ كونغ ، حيث أعطاني بيتر مارينو تفويضاً تاًماً للعمل في مساحة معينة: الدرج. فرضت القلادة نفسها بنحو طبيعي، وتحوّلت إلى العمود الفقري للهندسة المعمارية للبوتيك. يبدو الأمر كما لو أننا نتسلق هذه القلادة، والتي بدورها تخلق رابطاً بين الطوابق الثلاثة للبوتيك".
وعن علاقة الموضة بالفن ورأيه بالتزواج الكبير بين هذين العالمين، يوضح أوثونيل: "بالنسبة إليّ، إنه تقليد جاء إلينا من آسيا. قبل ثلاثين عاماً، عندما كنت أعرض في اليابان، كان إظهار الفن في مساحات الموضة بالفعل هو القاعدة، لأنه لم تكن هناك في الواقع ثقافة المتاحف المعاصرة هناك. بدا أن الفنانين يتعاونون بصورة طبيعية مع العلامات التجارية. لقد أدركنا أنه في الصين اليوم، يأتي الناس إلى المتاجر كما لو كانوا يذهبون إلى متحف: كما لو كان جزءاً من جولة حيث يعجبون بالملابس بقدر ما تعجبهم الأعمال الفنية. أعتقد أن هذه الرؤية الآسيوية أثّرت على جميع البلدان، وربما كانت فرنسا واحدة من الدول الأخيرة التي تقبّلت مدى أهمية هذا الحوار بالنسبة إلى الجميع اليوم. إنه يعطي صدى أكبر لعملي الأول الذي صنعته لبوتيك شانيل في هونغ كونغ، حيث يولي الجمهور هناك احتراماً كبيراً لهذه المساحة التي أصبحت بالنسبة إليهم وجهة ثقافية. وبهذا المعنى، تُعدّ نيويورك فريدة أيضاً. بوتيك شانيل فيها محاط بالمتاحف، إنه قريب جداً من جادة ماديسون. اليوم يأتي الزوار ليس فقط من عالم الموضة، بل أيضاً من عالم الفن. هذا النوع من الرؤية فرصة رائعة.
لقد قدّمت أكثر من 30 عملاً لشانيل في جميع أنحاء العالم، وكان عليّ أن أجدّد أعمالي لكل متجر من بينها، وأن أطّلع على المفاهيم المعمارية ومفهوم التصميم الداخلي الذي يتغيّر من بلد إلى آخر. أحب حقيقة أنّنا لا نكرّر أنفسنا أبداً".
أما عن تجربته في التعاون الأخير مع شانيل، فيشرح أوثنيل: "إنه بوتيك ضخم، لذا كان علينا أن نخيّل قطعة تتناسب مع هذا الحجم. كان علينا أن نجد مساحة مشتركة ما بين التجربة المشهدية التي يوفرها البوتيك وهذا الحجم الكبير الذي يتمد أفقياً. لذا فكّرت في قلادتين ضخمتين مشغولتين على شكل عقدة ومصنوعتين من الزجاج المستوحى من شكل اللآلئ، كل لؤلؤة تأتي بحجم مختلف، بالنسبة إلى هذا العمل الضخم، كان يجب أن تكون الرسوم فنية للغاية، وكان علينا إجراء أبحاث كثيرة عن المواد، وتطوير تقنيات هندسية محددة، والعمل بنحو وثيق مع المهندس المعماري وفنّيي البناء، لقد تعلّمت الكثير من هذا التعاون الذي استغرق إعداده سنة ونصف.