عندما نتحدّث عن دور المجوهرات التاريخية، لا يمكننا أبداً أن نمرّ مرور الكرام على اسم شوميه Chaumet. هي واحدة من أعرق مَن صاغ المجوهرات وعمل في المعادن الثمينة والأحجار الكريمة. ليس هذا فحسب، فما إن نذكر اسمها حتى يحضرنا على الفور اسم جوزيفين.
كانت جوزيفين زوجة الإمبراطور نابوليون بونابارت، وكانت فاتنة وفي غاية الجمال. عشقها نابوليون حتى الهيام، وللتعبير عن حبّه الكبير لها، كان يهدي لها دوماً أروع المجوهرات من تصميم دار Chaumet.
الدار الفرنسية التي تأسست عام 1780 ما زالت محافظة على ارتباطها الوثيق بجوزيفين، من خلال مجموعة من المجوهرات الملكية التي تحمل اسمها، وتشهد دائماً إضافات جديدة من القطع المستوحاة في الغالب من التيجان الملكية.
لكن شوميه ليست فقط عبارة عن تاريخ حافل بالإنجازات. هي أيضاً من الدور المواكبة للعصر. وإيماناً منها بضرورة الحفاظ على إرثها وتاريخها، مع إدخال التحديثات التي تبقيها قريبة من السيدة التي تعيش في عالمنا اليوم، نظمت الدار معرضاً باسم The Worlds of Chaumet، أي عوالم شوميه، أقامته في اليابان، وتحديداً في متحف Mitsubishi Ichigokan Museum of Tokyo لما لذلك من رمزية كبيرة تدل على ارتباط شوميه الوثيق بالفنون الجميلة المختلفة.
المعرض ضمّ 300 قطعة منذ تأسيس الدار عام 1780 حتى اليوم. واحتفالاً بهذا الحدث الكبير، استضافت السفارة الفرنسية في طوكيو حفلاً مسائياً راقياً، حضرته شخصيات رفيعة المستوى من اليابان، فضلاً عن ضيوف من حول العالم، استمتعوا بالاطلاع عن كثب على أجمل مجوهرات الدار والتعرّف عن قرب إلى هويّتها وتاريخها.
كنتُ سعيدة بأن تلقيت الدعوة للمشاركة في هذا الحدث، وخلاله التقيت بـJean-Marc Mansvelt، الرئيس التنفيذي لشوميه، وكان معه الحوار التالي:
الانطباع الأول لدينا كإعلاميين مقيمين في دبي، هو أن هذا المعرض يركز على إعادة إحياء اسم وإرث شوميه. كل الذين يتابعوننا في السوشيال ميديا، يسألوننا لماذا قرّرت شوميه تنظيم هذه الحدث اليوم، ولا يعلمون بأن العلامة تقيم باستمرار الكثير من الفعاليات المماثلة في باريس. كيف اتخذتم القرار بضرورة التحرك على نطاق أوسع عالمياً، مع الدور الكبير لجيل الألفية والسوشيال ميديا؟
بدأنا الاستراتيجية الجديدة في التسويق في يناير 2105، عندما رأى السيد برنارد أرنو رئيس مجلس إدارة مجموعة LVHM، أن شوميه تشبه الأسطورة الرائعة وأن الوقت حان لإيقاظها وتسليط الضوء عليها. وهذا ما نفعله كلنا مجتمعين اليوم. شوميه عبارة عن دار عريقة ولديها تاريخ حافل يستحق أن يُروى، والكثير من الإنجازات والابتكارات والمجوهرات التي تتمتع بأسلوب واضح ومحدّد. مجوهرات شوميه لطالما اجتذبت اهتمام أبرز الشخصيات من حول العالم، رغم أنها لم تكن حاضرة في الكثير من هذه الدول. شخصياً كنت أتساءل على الدوام لماذا غالبية زبائننا الكبار هم من الأميركيين، بينما شوميه لم تكن حاضرة بشكل كافٍ في الولايات المتحدة، وهذا أكبر دليل على أن هذه الدار لديها خلفية تاريخية ولديها ما تقوله.
ما كانت أبرز التحديات بالنسبة لشوميه خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟
لم نواجه عراقيل أو تحديات فعلية، فمن المهم أن نكون واثقين من أنفسنا ومن الرسالة التي يمكننا نشرها وبهويّتنا، وعدم مقارنة أنفسنا بغيرنا. شوميه هي دار مؤسِّسة لمفهوم المجوهرات الفرنسية الفاخرة، وهذه الصفة مهمة جداً بالنسبة لها. وهذا ما يجعلها حريصة جداً على أصالتها وعلى هويّتها. علينا فقط أن نقول مَن نكون بالتحديد وأن نكون فخورين بذلك، لأننا على مدى حوالى قرنين ونصف، ما زلنا حاضرين ومستمرّين ولدينا ركائز قويّة نستند إليها. عندما تذهبين إلى باريس، عليك بالتأكيد زيارة ساحة فاندوم، وفي قلب هذه الساحة الشهيرة، ستجدين بوتيك شوميه. يمكننا القول إن بقيّة دور المجوهرات تحدّد هويتها ومكانتها بالمقارنة مع شوميه.
لقد عشنا تجربة رائعة في البوتيك الجديد لشوميه في طوكيو، وهي تجربة مختلفة تماماً عمّا نتوقعه عادةً في بوتيك العلامة في دبي. ما الذي ترغبون تحديداً في تقديمه للسيدة من خلال هذه التجربة، وما هي رؤيتكم لجديد الدار؟
التجربة التي نرغب في تقديمها للزبائن هي تحديداً ما قمنا بتغييره، أي السماح للسيدة بالتعرّف عن كثب إلى إرث الدار و تاريخها وكل ما لديها لترويه عن مجوهراتها وهويّتها. وهذا يتضمّن عامل الرواية، أي القصص التي تتحدث عن الدار و عن حرفيتها وتقنيّاتها، زخارفها، انسجام الألوان في مجوهراتها، فضلاً عن بعض العناصر التي تكشف عن جذور الدار الشديدة الارتباط بالعاصمة باريس، فضلاً عن العناصر العاطفية للغاية، أي أن ينتاب السيدة الشعور بالراحة وبحسن الضيافة. قبل هذا البوتيك الأخير في طوكيو، كنّا قد بدأنا مسيرة التجديد في العديد من البوتيكات الأخرى منذ عام تقريباً، وقد لاحظنا أن عدد الزبائن ارتفع وأنّهم كانوا يشعرون بالكثير من الترحاب حتى أصبحوا يقضون المزيد من الوقت الإضافي في البوتيكات.
إن سألتِني ما هي المجوهرات، لقلتُ لك إنّها قصة انعكاس الضوء، ولهذا سعينا في البوتيك الجديد لضمان أن يدخل إليه ضوء النهار. من ناحية ثانية، ما نحاول فعله على مستوى بوتيكات شوميه في العالم، هو تدريب أعضاء فرق العمل ليكونوا ممثلين ناطقين باسم الدار، درّبناهم على رواية الكثير من القصص التي تتعلق بتاريخ الدار و أهم المحطات في مسيرتها، وهكذا أصبح لديهم الكثير من القصص الجميلة ليرووها للزبائن ويشعروهم بتلك العلاقة القوية مع الدار.
برأيي، إن شوميه تمكنت هذا العام من أن تخطو خطوة متميزة مع ابتكار تشكيلة Bee My Love، التي يمكن أن تصبح بمثابة التصاميم الأيقونية التي تخاطب الدار من خلالها جيل الألفية وتحفظ لنفسها مكانة جديدة في عالم المجوهرات العصرية. هل أصبحتم تعوّلون كثيراً على مثل هذه الإصدارات؟
في الواقع، تخطى نجاح تشكيلة Bee My Love ما كنّا نتوقعه، لأنها أحدثت ما يشبه الانفجار الكبير منذ حوالى العام! وهذا يعني أن الجمهور استقبلها بشغف كبير، فهذه التشكيلة تتقاطع مع مفهوم الموضة، وهذا ما يجعلها مهمة جداً بالنسبة لجيل الألفية، فضلاً عن أنها سهلة الارتداء والتنسيق. بالنسبة للكثيرين، كان من الرائع أن يروا كيف يمكن لدار عريقة عمرها أكثر من 230 عاماً، أن تطرح تصاميم عصرية تتوجّه من خلالها إلى جيل أكثر شباباً، مع إتاحة عنصر الاستمتاع خلال تنسيقها و ارتدائها لأنها عبارة عن قطع ديناميكية و بسيطة في الوقت نفسه. لكن في الوقت نفسه لا يمكننا أن ننسى أن Bee My Love مرتبطة أيضاً بعنصر يرمز إلى الدار وهو النحل، وقد قُدّم هذا العنصر بطريقة عصرية جداً. المميز أيضاً أن هذه المجموعة فيها الكثير من التنوّع، فهي تأتي بتصاميم انسيابية بسيطة، كما تأتي مرصّعة بالماس.
في المقابل نرى أن الكثير من الدور الكبيرة تعمد إلى تكرار مجموعاتها الأيقونية القديمة حتى تضمن لنفسها الاستمرارية. ما هي استراتيجيتكم بهذا الخصوص؟
ما هو مهم بالنسبة لنا، هو أن تبقى شوميه خياراً يرمز إلى الفرادة، وأن تبقى مجوهراتها تستقطب الأشخاص الذين يبحثون عن المجوهرات التي لا نرى الجميع يرتدونها أينما ذهبنا. ولهذا طرحنا Bee My Love، إذ تحوّلت إلى إصدار أيقوني بسرعة قياسية و كانت بمثابة نجاح شعبي لم يتوقعه أحد. في الوقت نفسه، نحافظ على إصداراتنا الكلاسيكية واستمراريتها، مثل مجموعة Liens De Chaumet، وهي من المجموعات العصرية التي حققت أيضاً الكثير من النجاح. مقابل هاتين المجموعتين العصريتين، ما زلنا نحرص على تقديم تشكيلات Josephine التي ترتبط أكثر بإرث الدار و حرفيتها العالية في تصميم المجوهرات الملكية. وهذا ما نريد أن نقدّمه إلى الجمهور، أي إننا نريد أن نضع بين يديه الكثير من التنوّع و إمكانات عديدة للاختيار من بينها.
لاحظتُ ميل غالبية دور المجوهرات إلى استهداف السيدة العالمية في تصاميمها، وعدم تخصيص أيّ جنسية بإصدارات حصرية. من خلال خبرتك، كيف يمكن أن تصف ذوق المرأة العربية، وما هو نوع المجوهرات الذي يستهويها أكثر من تصاميم شوميه؟
برأيي، إن السيدة العربية أثبتت أنها متقدمة على السيدات في الكثير من الدول، من خلال تبنّيها لأحدث الصيحات، مثل تنسيق العديد من القطع معاً، كأن ترتدي 3 خواتم أو أربعة، مع العديد من الأساور في اليد الواحدة. واليوم، نرى الجميع يتبعون هذه الصيحة في العالم. في المقابل، نرى أن بعض المجموعات تنجح في بلد ما، ولا تحقق نفس المستوى من النجاح في البلد الآخر. على سبيل المثال، مجموعة Josephine قد تبدو مبالغة في فخامتها بالنسبة للسيدة في طوكيو التي تميل إلى أكثر إلى قطع Liens De Chaumet الناعمة، أي إلى القطع البسيطة التي لا تبرز كثيراً في الإطلالة. في المقابل، مجموعة Josephine تحقق الكثير من النجاح في الدول العربية وفي الصين أيضاً، والسبب أن السيدة تشعر كما لو أنها تمتلك جزءاً من تاريخ فرنسا وقصة عشق نابوليون لزوجته جوزيفين، من خلال اقتنائها لهذه المجوهرات.
ما هي أهمّية السوق العربية بالنسبة لكم مقارنةً بالسوق الصيني أو الآسيوي عموماً؟
هناك الكثير من الإمكانات في السوق العربية، ومع هذا أعتقد أننا لا نستثمر بما فيه الكفاية ولا نضع ما يكفي من الجهود في هذه المنطقة، وهذا ما يدفعنا إلى إعادة تصميم بوتيك شوميه في دبي مول هذا الصيف، من أجل إعادة إحياء العلامة وبدء فصل جديدة في هذه المنطقة. شوميه ليست فعلياً من الدور التي تفتتح الأسواق، بل هي تركز على إعادة إحياء نفسها عندما يحدث النموّ الكبير لهذه الأسواق. ولهذا السبب، من المهم تنظيم المعارض و تعريف الناس إلى إرث العلامة وما تخفيه من قصص جميلة ومصادر وحي استثنائية وراء تصميمها للمجموعات المختلفة.