
كرم الإسلام المرأة ونزلت فيها الكثير من الآيات القرآنية، منها آية الحجاب في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] ومن ذلك قوله في سورة النور، يقول سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]
ولكن يختلف الأمر لتغطية الوجه الذي لم ترد فيه آية قرآنية واضحة. هنا نتحدث عن حكم تغطية الوجه في المذاهب الأربعة.
حكم تغطية الوجه في المذاهب الاربعة
المذهب الحنفي:
قال ابن نجيم في "البحر الرائق" (2/381): "وفي فتاوى قاضي خان : ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة ا هـ .
وهو يدل على أن هذا الإرخاء ، عند الإمكان ، ووجود الأجانب : واجب عليها . إن كان المراد لا يحل أن تكشف" انتهى.
وقال ابن عابدين في "حاشية البحر" : "قال في النهر : ... وقول الفتاوى: لا تكشف أي لا يحل".
وفي "البحر الرائق" أيضا (1/284): " واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة ، وجواز النظر إليه، فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة ، مع انتفاء العورة .
ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد ، إذا شك في الشهوة ؛ ولا عورة , كذا في شرح المنية.
قال مشايخنا: تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة".
وقال في "مجمع الأنهر"(1/81) : "وفي المنتقى: تمنع الشابة عن كشف وجهها ، لئلا يؤدي إلى الفتنة.
وفي زماننا : المنع واجب ، بل فرض ، لغلبة الفساد .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : جميع بدن الحرة عورة ، إلا إحدى عينيها فحسب ؛ لاندفاع الضرورة " .
وفي "الدر المختار" (1/406): "( وتمنع ) المرأة الشابة ( من كشف الوجه بين رجال ) ، لا لأنه عورة ؛ بل ( لخوف الفتنة )".
قال ابن عابدين في حاشيته : "والمعنى: تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة" انتهى.
وقال السهارنفوريُّ رحمه الله: "ويدلُّ على تقييد كشف الوجه بالحاجة: اتفاق المسلمين على منع النِّساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساد وظهوره" انتهى من "بذل المجهود شرح سنن أبي داود" (16/ 431).
المذهب المالكي :
قال الدردير في الشرح الصغير : "( و ) عورة الحرة ( مع رجل أجنبي ) منها ، أي ليس بمحرم لها : جميع البدن ، ( غير الوجه والكفين ) .
وأما هما [ الوجه والكفان] : فليسا بعورة . وإن وجب عليها سترهما ؛ لخوف فتنة ." .
ونقل الصاوي في حاشيته عليه ، عن ابن مرزوق : أن مشهور المذهب وجوب ستر وجهها ويديها.
وفي "حاشية الدسوقي" (1/214) : "( قوله : كستر وجه الحرة ويديها ) ؛ أي : فإنه يجب ، إذا خيف الفتنة بكشفها" انتهى.
وقال أبو بكر ابن العربي رحمه الله : "والمرأة كلها عورة؛ بدنها ، وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها" انتهى من "أحكام القرآن" (3/ 616).
ومثله للقرطبي في تفسيره (14/ 227).

المذهب الشافعي :
قال إمام الحرمين الجويني رحمه الله: " ... اتفاق المسلمين : على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب" انتهى من "نهاية المطلب" (12/ 31).
وقال ابن حجر في "تحفة المحتاج" (2/112) : "قوله : ( وإنما حرم نظرهما إلخ ) : أي الوجه والكفين من الحرة ، ولو بلا شهوة .
قال الزيادي في شرح المحرر بعد كلام : وعرف بهذا التقرير أن لها ثلاث عورات:
عورة في الصلاة وهو ما تقدم.
وعورة بالنسبة لنظر الأجانب إليها ، جميع بدنها حتى الوجه والكفين على المعتمد.
وعورة في الخلوة ، وعند المحارم : كعورة الرجل ا هـ .
ويزاد رابعة: هي عورة المسلمة بالنسبة لنظر الكافرة ، غير سيدتها ومحرمها، وهي ما لا يبدو عند المهنة " انتهى.
وقال السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص 240): "المرأة في العورة لها أحوال :
حالة مع الزوج , ولا عورة بينهما , وفي الفرج وجه .
وحالة مع الأجانب , وعورتها : كل البدن , حتى الوجه والكفين في الأصح .
وحالة مع المحارم والنساء , وعورتها : ما بين السرة والركبة .
وحالة في الصلاة , وعورتها : كل البدن , إلا الوجه والكفين" انتهى.
وفي "فتاوى الرملي" (3/169): "( سئل ) : هل يجب على المرأة ستر وجهها خارج الصلاة بحضرة الأجانب ، أو لا ، كما تقتضيه عبارة الإرشاد والروض ، ونقل القاضي عياض اتفاق العلماء عليه ؟
( فأجاب ) بأنه : يجب عليها ستر وجهها بحضرة الأجنبي ، كما صححه في المنهاج ، وقوة كلام الشرح الصغير تقتضي رجحانه, وعلله باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، ونقلا في الروضة وأصلها هذا الاتفاق ، وأقراه .
وقال البلقيني: الترجيح بقوة المدرك ، والفتوى على ما في المنهاج ، وجزم به في تدريبه . وقال الأذرعي: بل الظاهر أنه اختيار الجمهور . ا هـ .
ولا اعتماد على ما حمل عليه بعضهم الاتفاق المذكور في كلام الشيخين" انتهى.
وفي "حاشية البجيرمي على الخطيب" (1/451) : " قوله ( وعورة الحرة ) : أي في الصلاة .
أما عورتها خارج الصلاة بالنسبة لنظر الأجنبي إليها : فهي جميع بدنها ، حتى الوجه والكفين , ولو عند أمن الفتنة , ولو رقيقة، فيحرم على الأجنبي أن ينظر إلى شيء من بدنها .." انتهى.
وفي "حاشية البجيرمي على المنهج" (1/235): "وللحرة أربع عورات , فعند الأجانب : جميع البدن , وعند المحارم والخلوة : ما بين السرة والركبة , وعند النساء الكافرات : ما لا يبدو عند المهنة , وفي الصلاة : ما ذكره الشارح، وهو أن عورتها في الصلاة غير الوجه والكفين" انتهى.
المذهب الحنبلي :
قال في "نيل المآرب شرح دليل الطالب" (1/125) : " (والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة) ، حتى ظفرها وشعرها ، (إلا وجهها).
والوجه والكفان من الحرة البالغة : عورة خارج الصلاة باعتبار النظر ، كبقية بدنها" انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/316 ): "( وهما ) أي : الكفان ( والوجه ) ، من الحرة البالغة : ( عورة خارجها ) ، أي : الصلاة ، ( باعتبار النظر , كبقية بدنها ) ؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم المرأة عورة " انتهى.
وقال البهوتي في "شرح المنتهى" (1/167) : " قوله : كلها عورة في الصلاة إلا وجهها. أي : وأما خارجها : فكلها عورة ، حتى وجهها ، بالنسبة إلى الرجل والخنثى" انتهى.
فبان بهذا أن ستر الوجه : واجب على المذاهب الأربعة في زماننا هذا، فكيف يدعى أن الجمهور على جواز الكشف، فضلا عن الكشف مع استعمال الزينة.
ولهذا قال مفتي باكستان الشيخ محمَّد شفيع الحنفيُّ: "وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء، وجمهور الأمَّة على أنَّه لا يجوز للنِّساء الشوابّ كشف الوجوه والأكفّ بين الأجانب، ويُستثنى منه العجائز؛ لقوله تعالى :[وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ ] " انتهى من "المرأة المسلمة" ص 202
حكم تغطية الوجه للمرأة
جمهور الفقهاء على وجوب ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب.
وبيان ذلك : أن من الفقهاء من يرى أن وجه المرأة عورة في باب النظر.
ومنهم من لا يراه عورة ، لكن يُلزم المرأة بستره ، خشية الافتتان بها، لا سيما عند انتشار الفساد.
حكم تغطية الوجه في الحج
المحرمة لا تُغطي وجهها بالنقاب، لا في العمرة، ولا في الحج، لكن تُغطيه بغير ذلك، تُغطيه بالخمار، بشيءٍ من اللباس الذي تُرخيه على وجهها.
قالت عائشة رضي الله عنها: "كنا مع النبي ﷺ في حجة الوداع إذا دنا منا الرجال سدلتْ إحدانا خمارَها من على رأسها على وجهها حتى يُجاوزونا".
فالمقصود: أنَّ النقاب ما يُنقب للعينين فيه، يُقال له: نقاب، ما يصنع على الوجه، يصنع بقدر الوجه، يُقال له: نقاب، ويُقال له: برقع، هذا لا تلبسه المحرمة، لا في حجٍّ، ولا في عمرةٍ، وإذا لبسته في غير ذلك للستر فلا بأس.
وهذا يدل على أنَّ الحريم كانوا يلبسونه في عهد النبي ﷺ، ولهذا قال: المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفّازين، فدلَّ على أنهن في عهد النبي ﷺ يلبسن القفازين، ويلبسن النقاب، لكن في حال الإحرام نُهين عن ذلك.
حكم تغطية الوجه في الصلاة
اما في الصلاة فإنها تكشف وجهها وكفيها لا حرج، إذا لم يكن عندها أجنبي، فإنها تصلي مكشوفة الوجه هذه هو السنة، وتستر بقية بدنها كرأسها وصدرها وجميع بدنها، ومن ذلك قدماها، عليها ستر الجميع، أما الكفان فإن سترتهما أفضل كما قاله جمع من أهل العلم، وإن أبدتهما فلا حرج في ذلك على الصحيح، وأما الوجه فإنه يكشف في الصلاة وتصلي مكشوفة الوجه إلا إذا كان عندها أجنبي كأخي زوجها، أو زوج أختها، أو غيرهما فإنها تستر وجهها وكفيها وقت الصلاة من أجلهم من أجل غير المحرم.
وهكذا إذا خرجت الأسواق تستر بدنها كله؛ لأنه عورة وفتنة والله يقول جل وعلا: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال جل وعلا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية.
مرجع:
https://islamqa.info
من مواليد القاهرة 1985، حاصلة على بكالريوس الآداب جامعة عين شمس عام 2006، متابعة وناقدة فنية، أعمل كمحررة محتوى على موقعيّ Nawa3em، وgheir، ومتخصصة في كتابة المقالات والآراء حول المسلسلات والأعمال الانتاجية الفنية، وأحاول تحسين حياة القراء والقارئات عبر هذه المقالات.