من المعتاد أن نتخيّل منصات عروض الأزياء في أماكن أيقونية مثل مستودع "تيرمينال" في تشيلسي أو الطوابق العالية المطلة على نهر إيست ريفر، أو حتى خيمة براينت بارك الشهيرة التي شكّلت لسنوات القلب النابض لعروض نيويورك. لكن كريستيان سيريانو لا يعرف المألوف. هذا الموسم، قرّر المصمم الأميركي أن يجرّ ضيوفه الأوفياء—ومن بينهم أسماء لامعة مثل أوبرا وينفري وليزو—إلى قلب مانهاتن، وتحديداً متجر "مايسيز" في هيرالد سكوير، حيث حوّل الطابق السفلي إلى مساحة مترفة تتدلّى منها ستائر كريمية أنيقة، لتصبح مسرحاً لأحدث إبداعاته.
افتتاح دراماتيكي مع كوكو روشا
لم يكن مفاجئاً أن تفتتح العرض عارضة الأزياء كوكو روشا، إحدى ملهمات سيريانو وأكثرهن قدرة على تجسيد روح تصاميمه بحركاتها المسرحية وتعابيرها الفريدة. أطلت بروح الفيلم الأسود Film Noir مرتدية طقماً مكوناً من تنورة وجاكيت بطبعات النقاط والخطوط، مكمّلاً بقبعة صغيرة وكعب "كيتن هيل". هنا بدأت ملامح المجموعة تتضح: الأسود والأبيض يسيطران، يزرعان نفحة من الدراما الكلاسيكية التي زادها بريقاً لمسة برتقالية-وردية على الشفاه.
لوحة ألوان تتفجّر في الختام
لكن سيريانو لا يرضى بالبقاء ضمن إطار محدد. فمع ختام العرض، انفجرت الألوان فجأة لتكسر هدوء الأبيض والأسود: برتقالي ساطع، وردي حيوي، تركواز وبنفسجي، كلها تزيّنت بها فساتين منتفخة ضخمة تُذكّرنا بترف البالونات المنحوتة. وكأنّ المصمم أراد أن يقول إن الحياة، مهما كانت محاطة بالدراما، لا تكتمل من دون جرعة من البهجة.
مزج الحداثة بالكلاسيكية في الأزياء الرجالية
أما المفاجأة الحقيقية فكانت في خط الأزياء الرجالية، الذي بدا كأنه ينتمي إلى عرض مغاير تماماً. بين البنطال المربّع المرصع بالترتر المزدوج مع قميص مكشوف الصدر، والـ"توكسيادو" المزيّن بخصر ببتلوم مع قميص شافاف بأكمام طويلة، قدّم سيريانو رؤية عصرية تُعيد صياغة معنى التوكسيدو. كان من اللافت هذا المزج بين الحداثة المطلقة في القطع العلوية والحنين الكلاسيكي في القاعدة.
فساتين أنثوية ورغبة في كسر الحدود
لم ينس سيريانو جمهوره النسائي الذي ينتظر منه دائماً لمسة الأنوثة الفاخرة. قدّم مجموعة من الفساتين الللافتة بالكورسيه والتفاصيل المربوطة، جاهزة للتألق على أي سجادة حمراء عالمية. أما الإكسسوار الذي سرق الأضواء فكان حقيبة على شكل عبوة "كابري صن"، تعاون ثان ضمن العرض يعكس جانب المصمم المرح والخيالي.
قراءة شخصية في العرض
في هذا العرض، بدا سيريانو وكأنه يكتب بياناً شخصياً عن هويته الإبداعية. الأسود والأبيض منحاه قاعدة درامية صلبة، لكن جرأته في ضخ الألوان فجأة جسّدت رغبته في المفاجأة وكسر التوقعات. الأزياء الرجالية بدت كأنها مغامرة إضافية، محاولة للتأكيد أن الموضة لم تعد محصورة في معايير جامدة، بل هي مساحة للعب وإعادة التعريف. اللافت أن سيريانو يعرف تماماً جمهوره: نساء يبحثن عن الفخامة المتجددة، ورجال لا يخافون من التفرّد. وبينهما، مساحة مشتركة من الخيال والدراما والمرح.
أسبوع نيويورك للموضة اعتاد المفاجآت، لكن ما فعله سيريانو هذه المرة حمل معنى مختلفاً: أنه حتى في مكان غير متوقّع مثل قبو متجر تجاري، يمكن أن تُكتب لحظة موضة استثنائية، إذا كان وراءها مصمم يعرف كيف يحوّل المألوف إلى مسرح للأحلام.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.