في عرض ربيع وصيف 2026، اختار ألكسندر وانغ أن يقدّم مجموعة تحمل عنوان "The Matriarch" في 58 Bowery، كجزء من أسبوع الموضة في نيويورك. هذه العودة إلى قلب المدينة لم تكن مصادفة، بل عكست رغبة المصمّم في استعادة روحه الأصلية المرتبطة بالشارع، ولكن بلغة أكثر حدة ونضجاً. النتيجة كانت مجموعة مكثفة من القطع النحتية القصيرة جداً، حيث شكّلت الأنوثة القوية والعصرية محوراً لكل تفاصيل العرض.
لوحة لونية متقشّفة ورسالة قوة
اعتمد وانغ على لوحة ألوان أساسية: الأسود، الأبيض والرمادي. هذا الخيار لم يكن مجرد تقشّف بصري، بل أداة لتوجيه الانتباه إلى البنية والهندسة التي صيغت بها التصاميم. فبدلاً من الزخرفة المفرطة، فضّل المصمم اللعب على حدود الجسد عبر جاكيتات نحتية تحت الصدر وحول الورك، وتنانير صغيرة للغاية تصل إلى طول التي-شيرت، ما جعل الأفخاذ المكشوفة والخطوط العالية السمة الأكثر حضوراً في العرض. هنا تكمن الرسالة: لا حاجة للألوان الصاخبة كي تترجم القوّة، بل يكفي وضوح القصّة المعمارية للملابس.
هندسة الجسد: ما بين الدروع والإغراء
العرض كشف عن حوار مثير بين الشكل الحامي والجانب الإغوائي للموضة. الجاكيتات المنحوتة بدت كدروع أنثوية، بينما جاءت التنانير القصيرة والقمصان مع قصّات متمركزة حول الصدر لتؤكد على كشف الجسد أكثر من تغطيته. الزخارف الجلدية أضيفت إليها طبقات من الفرو الصناعي أو الياقات المنتفخة الضخمة، وكأنها إكسسوارات وقائية تحيط بالمرأة وتحولها إلى "ماتريارك" حديثة. هنا يطرح وانغ تساؤلاً حول معني الحماية في زمن تُعاد فيه صياغة أدوار المرأة: هل هي حماية للجسد أم تضخيم لسطوته؟
تقنيات جديدة: حِرفة تتحوّل إلى مستقبلية
الأقمشة المحاكة واللانجيري كملابس خارجية عادت بقوة، لكن بانغماس في التكنولوجيا. ففساتين الانزلاق اللامعة جاءت مزينة بالدانتيل المحاك بتقنيات جديدة، فيما تحوّلت البدلات المحبوكة إلى ما يشبه الدروع المعدنية عبر تأثير الـChainmail . كذلك، أدخل وانغ لسمات لامعة من الباييت والتشطيبات المعدنية بشكل محدود، لتعمل كوسائل إبراز للنحت الجسدي بدلاً من أن تتحول إلى صخب بصري. كل ذلك عزّز صورة امرأة مستقبلية، لا تنفصل عن مهارة اليد لكنها لا تكتفي بها.
البونشو: من مرجع عائلي إلى أيقونة حضرية
من أبرز عناصر المجموعة كان حضور البونشو بعدة صياغات: من الجلد التقني المرن، إلى الأقمشة الشفافة للأمسيات، وصولاً إلى إصدارات محبوكة واسعة. هذا التعدد في التفسير منح القطعة رمزية خاصة، باعتبارها إشارة إلى الإلهام الأمومي الكامن وراء المجموعة، وفي الوقت نفسه مرجعاً وظيفياً يحمي من الشمس ويعانق الجسد بحركة فضفاضة. البونشو هنا لم يكن مجرد لباس، بل استعارة عن الأمّ الحاضنة والمظلّة الواقية.
الدنيم والوظيفية: توازن بين العملية والزينة
رغم الطابع النحتي والتقني، لم يغفل وانغ مرجعيته العملية. قطع الدنيم حضرت في التنانير القصيرة المنخفضة الخصر، والأحذية الجلدية تزيّنت بسحابات ضخمة وأحزمة نافرة. أكثر ما لفت الانتباه هو التركيز على السحّابات كعنصر زخرفي وظيفي في آن: أسنان معدنية ظاهرة، وسحابات بأحجام مبالغ بها لتتحول من أداة إغلاق إلى زينة قائمة بذاتها. الابتكار تجسّد أيضاً في الحذاء الجديد بالكعب القصير والمزوّد بنعل مطبوع ثلاثي الأبعاد، وهو إعلان واضح عن استمرار وانغ في اختبار حدود المواد والتقنيات.
سيطرة التناقضات: الأنوثة بين الضيق والفضفاض
اللعب على التباينات كان من أبرز سمات العرض. فالتوبات الضيقة والمشدودة ترافقها جاكيتات منحوتة، بينما جاءت التنانير والـ"مايكرو شورتس" في أقصى درجات القِصر. في المقابل، ظهرت قطع أطول كالبونشو أو التونيكات المزدوجة، لتكسر رتابة القِصر المفرط وتمنح العين استراحة بصرية. هذا التوازن كشف عن إدراك واع للتباين بين الرغبة في الإغراء والحاجة إلى الحماية، وكأن وانغ يرسم حدود لعبة اجتماعية معاصرة بين الانكشاف والاحتواء.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.