في ظهيرة هادئة من لندن، فتحت إميليا ويكستيد أبواب متجرها الرئيسي في شارع سلون، محوّلة المكان إلى صالون أنيق يعيدنا بالذاكرة إلى بداياتها في بونت ستريت، حين كان عرض الحقائب الخاصة وجلسات القياس الشخصية يشكّلان جوهر هويتها كعلامة ناشئة. المشهد بدا حميمياً ومدروساً في آن، ليصبح الإطار المثالي لمجموعة جديدة يمكن وصفها بأنها رسالة حب لزبوناتها الوفيات وتأمل شعري في رؤية المصوّر الأميركي روبرت مابلثورب.
نقشات وألوان
ما لفت الانتباه في هذه المجموعة أن أثر مابلثورب لم يأت عبر الصدمة البصرية التي عُرف بها، بل من خلال البناء والانفعال. افتتحت ويكستيد العرض بفستان منقوش بالكارو ملتف عند الخصر، يخلق توتراً قطرياً بارزاً يعيد تشكيل الخطوط الجسدية، قبل أن تنساب الإطلالات نحو تنانير مطوية تتحرك بخفة وثقة فوق أرضية المتجر المربعة. ثم جاءت لحظات "اللكمة" اللونية: فستان منخفض الخصر يغمره البريق الأصفر، تصميم فقاعي باللون الأزرق الملكي، وفصل آخر من القطع اليومية مثل قمصان البولو مع الجينز وتنانير قصيرة مفككة البناء، كرسالة واضحة بأن علامة ويكستيد لم تعد مقصورة على أزياء المناسبات بل تنفتح أكثر على يوميات المرأة.
الألوان جاءت مدروسة، مستعارة من لوحات مابلثورب الزهرية: وردي باهت، أزرق ثلجي، وأصفر زبدي. لكن التفاصيل الصغيرة حملت وجهه الآخر، الأكثر قتامة: ربطات حريرية وعُقد تحل محل الأحزمة الجلدية في إشارة خفية لعالمه الحاد. أما الخلفية الموسيقية، "فيتشي دارتي" من أوبرا توسكا، فقد أضفت على الجو نفَساً من الكآبة الرومانسية، وكأن المجموعة تعيش في مساحة بين الرقة والاستفزاز.
التزام بتقاليد الدار
اللافت هذا الموسم هو استعداد ويكستيد لتبنّي بعض التنافر. قصّاتها بقيت مألوفة لكنها دفعتها إلى حافة جديدة، أقل صفاءً، أقل مثالية. ومع ذلك، توقفت المجموعة عند حدود الأناقة ولم تذهب أبعد إلى كسر التقاليد فعلياً. بالنسبة للبعض، قد يُعتبر ذلك فرصة ضائعة لدفع علامتها إلى مواجهة أكثر جرأة بين عالمها المصقول وحدّة مابلثورب. لكن في نظري، هنا تكمن قوة العرض: إدراك المصممة أن الأناقة ليست نقيضاً للتوتر، وأن اللعب على الحافة لا يعني بالضرورة القفز خارجها.
ربما كان هذا واحداً من أكثر عروض ويكستيد حملاً للشحنة العاطفية. لقد ذكّرتنا بأن علامتها لا تُبنى فقط على التلميع والاحتشام، بل أيضاً على السردية والعمق. التوازن الذي حققته بين الاستفزاز والاتزان، بين الحميمية والاستعراض، يوحي بأنها مستعدة لإعادة تعريف حدود عالمها الخاص، ولو ببطء محسوب. وإن كان ثمة كبح متعمد في النتيجة النهائية، فإنه لم يظهر كعجز، بل كاختيار واع لمصممة تثق بقدرتها على التحكم في شدّ الخيوط وترك بعضها بلا حلّ.
في النهاية، ما قدمته ويكستيد لم يكن مجرد مجموعة من الفساتين والقطع اليومية، بل دراسة حساسة عن التوتر بين الجماليات المختلفة، وعن إمكانية أن يلتقي الصقل بالخشونة في مساحة واحدة. لقد نجحت في أن تجعل من متجرها صالوناً للأفكار بقدر ما هو صالون للأزياء، وهو إنجاز لا يقل أهمية عن أي فستان يلمع تحت الأضواء.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.