أنطونيو ماراس يعيد صياغة الذاكرة السردينية في عرض يجمع بين الإرث والابتكار | Gheir

أنطونيو ماراس يعيد صياغة الذاكرة السردينية في عرض يجمع بين الإرث والابتكار

اسابيع الموضة  Sep 25, 2025     
×

أنطونيو ماراس يعيد صياغة الذاكرة السردينية في عرض يجمع بين الإرث والابتكار

في أسبوع الموضة في ميلانو لموسم ربيع وصيف 2026، قدّم المصمم أنطونيو ماراس عرضاً لا يمكن اختزاله في إطار واحد أو تصنيفه بسهولة. العرض كان بمثابة حوار مفتوح بين الماضي والحاضر، بين الإرث الشعبي العميق في جزيرة سردينيا ورؤية معاصرة ترفض أن تبقي التقاليد مجرد آثار محنّطة في المتاحف أو صور سياحية على بطاقات بريدية. ماراس، بخطابه البصري الغني، أراد أن يثبت أنّ استدعاء التراث ليس بالضرورة فعلاً نوستالجيّاً، بل مسؤولية فكرية وجمالية تتطلب إعادة تعريف لما يعنيه أن نحمل التاريخ إلى المستقبل.

عرض مسرحي بامتياز

العرض كان مسرحاً لتجديد الرموز السردينية. القطع الأصلية المستوحاة من الثلاثينيات مع قمصان بوساتشي، حواشي التنانير، قبعات إيتيري، ومآزر أوسي وسينوري، لم تظهر كما هي، بل أعيدت صياغتها في سياقات جديدة. هكذا تحوّلت إلى أردية مهيبة، سترات واسعة، بدلات مفككة، فساتين مسائية بستايل الفينتج، إطلالات كوكتيل، وحتى طقم بيجاما. هذا المزج بين الشعبي والمعاصر كشف عن براعة المصمم في إعادة إحياء القطعة التراثية لا كأثر ساكن، بل كعنصر نابض بالحياة.

من الناحية التقنية، جاء العمل غنياً بالطبقبات. الأقمشة تداخلت في كثافة لافتة: دانتيل مع دِماسك، جاكار مع مربعات، جلد مع دنيم، وحياكات متقنة بدت أقرب إلى تطريز. كل طبقة بدت كأنها تنقل حواراً داخلياً بين الماضي والحاضر، وكأن كل خامة تمثل صوتاً في جوقة سردينية حديثة. الألوان أيضاً كانت ذات دلالات: أرجواني فاتح، زهري باهت، كادميوم، برونزي، بلوم، أسود باهت، وألوان رملية، استحضرت جميعها صورة الشمس المتوسطية وهي تتسلل من خلال ستائر منسوجة بعناية.

تصاميم ببُعد إنساني

من الناحية الجمالية، لم يُعامل ماراس الطيّات والدريباج كزخرفة، بل كحركة بحد ذاتها. الأقمشة بدت وكأنها تنساب لتحتضن الجسد لا لتبتعد عنه. كانت هناك رغبة واضحة في جعل الملابس تعكس حميمية الجسد، أن تتتحرك معه لا ضده. هذا التوجّه أعطى العرض بُعداً إنسانياً ودافئاً، بعيداً عن البرودة التي قد ترافق بعض العروض ذات الطابع المفاهيمي.

لكن البُعد الأهم تمثّل في البعد الأخلاقي والفكري. ماراس لطالما قدّم عروضاً مشبّعة بالسرديات، وهذه المرة وضع البحر الأبيض المتوسط في مركز الخريطة، ليس كطرف أو هامش، بل كملتقى ثقافات ومسارات. حضور الراعي السرديني جوزيبي إغناسيو لوي، الذي تحوّل إلى رمز للمقاومة ضد المضاربات العقارية وتم تخليده في السينما، أضفى على العرض عمقاً إنسانياً وسياسياً. الرسالة كانت واضحة: التراث ليس محايداً، بل يحمل مواقف وخيارات ومسؤوليات.

ما فعله ماراس هو رفض تحويل الأزياء التقليدية إلى مجرد ديكور سطحي أو اقتباس بصري سهل. الجانب الأكثر إقناعاً في العرض أنّه تخلّى عن فكرة "الإكزوتيكية التذكارية". لم يكن الهدف تقديم سردينيا كـ "آخر غريب"، بل كمركز نابض بالحياة الثقافية والإنسانية. في مشهد الختام، بدا العرض أقرب إلى عودة إلى البيت: منزل تطل نوافذه على مناظر خضراء، تتكدّس فيه الكتب، وتتدلى من طاولته خيوط وإبر. بهذا، تحوّلت الأزياء الشعبية إلى ملابس صالحة للعيش اليومي، ووجدت سردينيا لنفسها موقعاً جديداً على الساحة العالمية، ليس كذكرى، بل كقوة حيّة.

ماراس، بهذا العرض، قدّم أكثر من مجرد مجموعة أزياء، قدّم مشروعاً فكرياً وجمالياً حول معنى التراث وكيفية استمراره. كان العرض بمثابة دعوة للتفكير في التقاليد ككيان حيّ، ديناميكي، قابل للتجدد وإعادة الاكتشاف. في عالم الموضة السريع الزوال، كانت رسالته بمثابة تذكير بأن الاستدامة الحقيقية تبدأ من إعادة احترام الماضي وصياغته ليبقى جزءاً من المستقبل.

عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.

اسابيع الموضة