من بين جميع النقشات التي شكّلت جزءاً من ذاكرة الموضة، تبقى نقاط البولكا دوتس الأكثر حيويةً ومرحاً. هذه الطبعة التي ارتبطت بالأناقة الكلاسيكية منذ عقود، عادت بقوة إلى منصات ربيع وصيف 2026، لتؤكد أنّ الأسلوب المرح لا يفقد مكانته مهما تغيّرت المواسم. من الخطوط الجريئة إلى التلاعب بالأحجام، قدّم المصممون رؤى متنوّعة جعلت من البولكا دوتس عنصراً أساسياً في صياغة إطلالات متجدّدة، تتأرجح بين الرقيّ والجرأة، بين الكلاسيكية والخيال.
في عرض Vetements، جاءت الرؤية أكثر حداثةً وغموضاً. قدّم الدار فستاناً واسعاً باللون الأبيض المزيّن بالنقاط السوداء، ترافق مع قناع يغطّي الوجه بالكامل. الإطلالة كانت أقرب إلى لوحة فنّية تتحرك على المدرج، تعكس فلسفة الدار في اللعب على الحدود بين المألوف وغير المألوف، بين الهوية الفردية والتمويه. هنا تحوّلت البولكا دوتس إلى رمز للتمرد والابتكار.
أما كريستيان سيريانو فقد أعاد النقشة إلى أجواء مسرحية بامتياز. صمّم فستاناً قصيراً أسود مرصّعاً بالنقاط البيضاء، تميّز بأكمام ضخمة منفوشة تمنح حجماً درامياً مبالغاً فيه. هذه المقاربة الاستعراضية للبولكا دوتس أضافت لمسة من الفانتازيا، حيث تحوّلت النقاط الصغيرة إلى عنصر يضج بالحيوية والإيقاع. إنها إطلالة تحتفل بالأنوثة من دون خوف من المبالغة.
على الضفّة الأخرى، اختارت كارولينا هيريرا تقديم تفسير أنيق وعصري للنقشة. قدّمت فستاناً أبيض طويلاً مزيّناً بالنقاط السوداء الصغيرة، بقصّة ضيّقة تبرز رشاقة القوام، مرفقاً بحقيبة كلاتش على شكل نصف دائرة تحاكي النقش نفسه. هنا، برزت البولكا دوتس بصيغة راقية، مثالية للمرأة التي تبحث عن أسلوب متوازن بين الأناقة والمرح.
أما إيلي صعب فقد أضفى لمسته الرومانسية على الصيحة، فاختار قماشاً شفافاً بني اللون مزداناً بالنقاط الصغيرة. الفستان بقصّة غير متماثلة على كتف واحد، انساب بخفة ليكشف عن الساقين بطريقة أنثوية حالمة. مع إضافة إكسسوارات ذهبية وحذاء عالي الكعب، قدّم صعب نسخة شاعرية للبولكا دوتس، تضيف إلى المرأة هالة من الغموض والسحر.
دار Dries Van Noten بدورها ذهبت نحو تباين الألوان والحركة. قدّم فستاناً بسيطاً طويلاً بقصّة مستقيمة، لكن النقاط الملونة بأحجام صغيرة ومتكررة جعلت القطعة تنبض بالطاقة. هذه المقاربة جسّدت شخصية الدار التي توازن بين الفن والموضة، مقدّمةً صياغة معاصرة تمنح البولكا دوتس حياة جديدة.
أما Nina Ricci فقد وظّفت النقشة بحسّ غرافيكي وجرأة لافتة. قدّمت بزة كلاسيكية باللون الأسود المزيّن بالنقاط البيضاء الكبيرة، منسّقة مع قميص حريري وبروش ضخم من الريش الأزرق عند الكتف. الإطلالة بدت قوية، عصرية، وذات حضور مسرحي، كأنها دعوة لإعادة النظر في الأزياء الكلاسيكية من زاوية أكثر حيوية.
تنوّع في الستايلات
ما يلفت في هذه الصيحة هو تعدّد قراءاتها: فبين الطابع الرومانسي الذي يقدّمه إيلي صعب، والمسرحية لدى كريستيان سيريانو، والنهج المفاهيمي عند Vetements، تبرز قدرة البولكا دوتس على التكيّف مع مختلف الرؤى الإبداعية. هي النقشة التي تجيد لعب أدوار متعددة: من الكلاسيكي الأنيق إلى الجريء المفاهيمي، من المرح اليومي إلى الفخامة المسائية.
في ربيع وصيف 2026، لم تعد البولكا دوتس مجرّد تفصيل كلاسيكي في خزانة المرأة، بل تحوّلت إلى أداة للتعبير عن الشخصية، وعن رغبة في المزج بين الماضي والحاضر. وبينما قد يراها البعض نقشة طفولية، يبرهن المصممون أنها في الحقيقة تحمل قوةً رمزية تعكس التجدّد الدائم للموضة.
يمكن القول إن البولكا دوتس أثبتت هذا الموسم أنها ليست مجرد صيحة عابرة، بل لغة أسلوبية تتجاوز الحدود الجمالية، لتصبح أيقونة تعيد اختراع نفسها مع كل جيل وكل عرض.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.