في السنوات الأخيرة، لم يعد مشهد عروض الأزياء العالمية يكتمل من دون حضور لافت لدور الأزياء الللبنانية التي استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة على منصات باريس وميلانو ونيويورك. هذا الحضور لم يأتِ من فراغ، بل من إصرار المصممين اللبنانيين على المزج بين التراث الفني الغني والحس العصري المرهف. ومن بين هذه الدور التي أصبحت بمثابة سفراء للبنان في عالم الموضة، يبرز اسم جورج حبيقة، الذي تحوّل إلى واحد من أبرز المصممين المفضلين لدى نجمات هوليوود والعالم، ولا سيما في إطلالات السجادة الحمراء التي تتطلب أرفع مستويات الأناقة.
جورج حبيقة يختار التأنّي
اليوم، مع كشفه عن مجموعة ربيع وصيف 2026، يواصل حبيقة كتابة فصل جديد من قصته العالمية، مقدّماً رؤية تعكس فلسفة خاصة: في عالم يركض بلا توقف خلف السرعة والصيحات العابرة، يختار هو أن يتأنّى، أن يتأمل، وأن يعيد تعريف فكرة الجمال كرحلة هادئة تتطلب وقتاً لتنضج وتُقدّر.
المجموعة جاءت وكأنها قصيدة مرئية تتحرك بخفة ونعومة، حيث انسيابية التصاميم تشبه لحناً هادئاً يوازن بين الرقة والعمق. الأقمشة لم تكن مجرد خامات، بل أشبه بذكريات تلامس البشرة، بأقمشة شفافة وحريرية تنسدل بخطوط أنثوية بارعة. هنا يظهر التلاعب بين الضوء والظل، بين ما يُكشف وما يُخفى، لتتجسد الأنوثة في أبهى صورها من دون مبالغة أو استعراض.
أما لوحة الألوان فبدت وكأنها رحلة يوم كامل: من إشراقة الصباح في البياضات الناعمة، مروراً بدفء النهار في تدرجات البيج والعسلي، وصولاً إلى رقة المساء في ورديات التوت وألوان التوت البري. ولم تخل المجموعة من لمسات الأسود التي جاءت بمثابة فاصلة موسيقية تضيف عمقاً ودرامية بصرية مدروسة، تؤكد أن التوازن لا يتحقق إلا بحضور النقيض.
اهتمام بالتفاصيل
اللافت في هذه المجموعة هو العناية الدقيقة بالتفاصيل: كل غرزة، كل طيّة، كل خط انسيابي صُمم وكأنه لحظة جمالية قائمة بحد ذاتها. التطريزات المرهفة لم تكن مجرد زينة، بل لغة بصرية تحمل بصمة حبيقة المميزة، التي تجمع بين الحرفية الفائقة والرؤية الحالمة. وكأن كل قطعة من المجموعة تحمل وعداً بإعادة تعريف الرقي المعاصر، بعيداً عن الصخب، أقرب إلى الصفاء.
في قراءة أعمق، يمكن القول إن حبيقة أراد من خلال هذه التشكيلة أن يوجّه رسالة للمرأة العصرية: الأناقة لا تُقاس بعدد القطع المقتناة أو بصرعة الألوان، بل بمدى قدرة الإطلالة على عكس هدوء داخلي وسحر متأصل. إنها دعوة للتوقف عن اللهاث وراء الموضة السريعة، والعودة إلى ما هو خالد، إلى الأسلوب الذي يزداد غنى مع مرور الوقت.
من بيروت إلى باريس، تستمر دار جورج حبيقة في نسج خيوط قصة تنبض بالسحر. هذه المجموعة لم تكن مجرد عرض موسمي، بل فصل جديد من حكاية طويلة، تثبت أن التصميم اللبناني بات عنواناً للأناقة العالمية. في كل موسم، يحوّل حبيقة الحلم إلى واقع يمكن ارتداؤه، جامعاً بين الحلم البيروتي والخيال الباريسي.
وبذلك، تؤكد مجموعة ربيع وصيف 2026 أن الأناقة الحقيقية لا تستعجل، بل تنضج مثل عمل فني خالد، يُقدَّر بمرور الزمن. وهذا ما يجعل من اسم جورج حبيقة ليس مجرد مصمم عالمي، بل رمزاً لأناقة تتجاوز الموضة إلى عالم من الجمال المتأصل والذوق الرفيع.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.