في عالم الجمال والعافية الذي يتبدّل بوتيرة متسارعة، لم تعد معادلات التسويق القديمة قادرة على مجاراة التغيّرات الجذرية في سلوك المستهلكين. فجيل الشباب الجديد — جيل زد ومن بعده جيل ألفا — لا يكتفي اليوم بشراء منتجات الجمال، بل يصوغ ثقافات كاملة حولها، ويحوّلها إلى تجارب اجتماعية وحركات رقمية تعبّر عن هويته وتطلعاته.
قوة اقتصادية لا يُستهان بها
لقد أصبحت هذه الأجيال قوة اقتصادية وثقافية مؤثرة، إذ تشير المؤشرات إلى أن المراهقين والمستهلكين دون سن الخامسة عشرة يساهمون بشكل متزايد في رفع عائدات قطاع العناية بالشبرة في الأسواق العالمية، مع متوسط إنفاق يفوق الأجيال السابقة. غير أن ما يميّزهم فعلاً ليس قدرتهم الشرائية فقط، بل رؤيتهم الجديدة للجمال بوصفه مساحة للتعبير، وللارتباط بالمجتمع، وللاعتناء بالنفس بطرق حقيقية وشفافة.
فالجمال بالنسبة لهم لم يعد طقساً فردياً في عُزلة المرآة، بل تجربة جماعية تكتسب معناها من المشاركة. من حفلات العناية بالبشرة والنوم الجماعي، إلى توثيق لحظات التجربة عبر مقاطع الفيديو القصيرة، يعيش هذا الجيل الجمال كمشهد اجتماعي مفتوح. وتشكّل المنصات الرقمية، ولا سيما "تيك توك" و"إنستغرام"، فضاءهم الطبيعي للتفاعل والتعلّم والتوصية. لم يعد الهدف هو عرض الكمال، بل كشف العيوب والتجارب بصدق. فجيل اليوم لا يخشى القول: "لدي حب شباب" أو "هذا المنتج لم يناسبني"، بل يرى في الشفافية وسيلة للتقارب وبناء الثقة.
الاعلانات التقليدية فقدت تأثيرها؟
هذا التحوّل في المفهوم الاجتماعي للجمال يفرض على العلامات التجارية إعادة صياغة خطابها بالكامل. الإعلان التقليدي فقد تأثيره. لم يعد المستهلك الشاب يثق بالرسائل اللامعة أو الإطارات المكرّرة، بل يبحث عن تفاعل حقيقي ومحتوى تعليمي يقدم فائدة ملموسة. لذلك، تتجه العلامات الناجحة إلى بناء تواصل أكثر إنسانية، قائم على المشاركة لا الإقناع، وعلى التعليم لا الترويج.
كما برز دور "المؤثرين الصغار" الذين ينقلون تجاربهم اليومية بصدق، ليصبحوا صوتاً أصيلاً أكثر تأثيراً من الحملات الضخمة. فالجيل الجديد يتفاعل مع من يشبهه، لا مع من يُقدَّم له كرمز بعيد المنال. هذا التوجّه خلق ثقافة جديدة حيث يتحوّل المستهلك نفسه إلى شريك في صياغة هوية العلامة وتطوير منتجاتها.
ولم يَعُد الحديث عن الجمال مقتصراً على الفتيات. فالمراهقون الذكور اليوم يدخلون المشهد بقوة، مهتمين بالعناية بالبشرة والعافية، وبموضوعات مثل علاج حب الشباب والعناية الشخصية. وهذا التحوّل يوسّع مفهوم الجمال من "الأنثوي" إلى "الإنساني"، حيث يُنظر إلى العناية بالنفس كجزء من أسلوب حياة متوازن ومتين.
إلى جانب هذا الانفتاح، يواجه السوق تحدياً جديداً يتمثّل في ظاهرة "المنتجات المقلّدة" التي تغزو المنصات الإلكترونية وتستهدف جيلاً شغوفاً بالتجربة. ورغم مظهرها المتقن، إلا أن مخاطرها على البشرة والصحة تجعل الحاجة إلى التوعية والشفافية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
المستقبل للمنتجات المخصصة
المستقبل إذن يتّجه نحو "التخصيص" ككلمة سر في العلاقة بين العلامة والمستهلك. فالجمهور الشاب يريد أن يشعر بأن العلامة تفهمه وتخاطبه شخصياً، عبر محتوى يتنبّه لتفضيلاته الرقمية وسلوكياته الشرائية. ومع صعود الذكاء الاصطناعي، بات بالإمكان صياغة تفاعل أكثر عمقاً يجمع بين التعليم والإلهام والتجربة الفردية.
ما نراه اليوم ليس مجرّد تغيّر في الذوق، بل ولادة فلفسفة جديدة للجمال، تقوم على الصدق، والمجتمع، والرعاية الواعية. في هذا العالم الجديد، الجمال لم يعد سلعة تُباع، بل حوارٌ مستمرّ بين الإنسان ونفسه، وبين الأفراد وبعضهم البعض. ومن يدرك ذلك من العلامات التجارية، سيكون جزءاً من المستقبل، لا شاهداً عليه.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.