لا شك أن لحظة بيع لوحة Portrait of Elisabeth Lederer لغوستاف كليمت تُعد واحدة من أكثر اللحظات دراماتيكية في سوق الفن الحديث، ليس فقط لقيمتها القياسية، بل للقصة الإنسانية والتاريخية التي تحملها بين طياتها. عندما رأيت اللوحة لأول مرة، شعرت كما لو أن الزمن يتوقف: حضور إليزابيث ليدرر أمامنا، بزيها الإمبراطوري الصيني الأبيض، يترك أثراً لا يُمحى، وكأن الأسطورة تلتقي بالواقع في قالب بصري ساحر. هذه اللوحة ليسيت مجرد قطعة فنية، بل شهادة على قدرة الفن على النجاة رغم كل محن التاريخ.
بيِعت اللوحة في نيويورك خلال مزاد دار سوذبيز مقابل 236.4 مليون دولار، لتصبح بذلك أغلى لوحة فنية حديثة وأحد أغلى الأعمال الفنية في التاريخ، متجاوزة توقعات المزاد التي قدرت قيمتها بـ150 مليون دولار. هذه القيمة الفلكية لم تأتي من براعة كليمت وحدها، بل من القصّة المذهلة التي ترافقها: عائلة ليدرر، واحدة من أغنى العائلات اليهودية في فيينا، فقدت مجموعتها الفنية الثمينة على يد النازيين بعد ضم النمسا عام 1938، ومع ذلك نجت هذه الللوحة من الحريق الذي دمر العديد من أعمال كليمت عام 1945.
ما يميز اللوحة ليس فقط بُعدها التاريخي، بل الدور الحيوي الذي لعبته في حياة إليزابيث نفسها. في مواجهة تهديد الترحيل إلى معسكرات الاعتقال، ادعت أن كليمت كان والدها البيولوجي، بمساندة والدتها وشهادة موثقة، ما منحها حماية من النازيين واستمرارية الحياة حتى وفاتها عام 1944. وبالنظر بدقة إلى تفاصيل الثوب، يمكن ملاحظة الأشكال الحيوية الدقيقة التي أدخلها كليمت، مستوحاة من دروسه في علم الخلايا وعلم التشريح، لتصبح الرموز الميثولوجية جزءًا من قصة النجاة والدم.
بعد الحرب، عادت اللوحة إلى أخ إليزابيث، ثم انتقلت عام 1985 إلى مجموعة ليونارد أ. لاودر، وريث مستحضرات Estée Lauder، الذي احتفظ بها في منزله لمدة أربعة عقود حتى وفاته في يونيو 2025. بيع هذه اللوحة كان الحدث الأبرز لمزاد Lauder Collection الجديد في مبنى Breuer الحديث، الذي جمع إجمالي 575.5 مليون دولار، ليظل كليمت في قلب الاهتمام الفني العالمي، حاملاً بين ألوانه وحركاته التاريخية صدى الإنسانية والنجاة والفن الذي لا يموت.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.