في أسبوع مليء بعروض الأزياء التي مالت نحو البساطة والحد الأدنى من التفاصيل، جاء عرض دار إيترو Etro بقيادة ماركو دي فينتشنزو ليشكّل نقيضاً صارخاً. في موسمه الثالث مع الدار الإيطالية، قدّم المصمّم مجموعة لا تعرف الصمت ولا تتقن الهمس، بل جاءت كتفجير للألوان والبهجة والجرأة، مستندة إلى طاقة الجنوب الإيطالي وحساسيته المتأججة.
افتُتح العرض مع الأداء الآسر للفنانة "لا نينيا دل سود"، التي أضفت على الأمسية بُعداً احتفالياً سياسياً وثقافياً، وحملت معها حرارة الجنوب بكل ما فيه من شغف وعاطفة. تحوّل المسرح منذ الللحظة الأولى إلى مزيج بين حفل موسيقي ومنصة عرض، حيث التقت الطاقة الغنائية بالتصاميم في حوار بصري وموسيقي فريد.
الأزياء نفسها جسّدت هذا التوهج. السيليويتس بدت متحرّرة، منتفخة بالكرانيش والشراريب والكشكش، تتحرك بانسيابية درامية جعلت كل عارضة تبدو كأنها جزء من عرض مسرحي حي. الباييت تكسّر تحت الأضواء في أطياف من الفوشيا، التركواز، والأزرق المتوسطي العميق، فيما الألوان الحمضية أضافت نكهة كرنفالية استحضرت أجواء نابولي وامتدت بخيالها حتى شوارع ريو دي جانيرو.
دي فينتشنزو لم يتخلّ عن الشيفرة البوهيمية التي لطالما ميّزت إيترو، لكنه دفعها إلى أقصى حدودها، متحدياً ثقل الزخرفة ومخاطراً بجرأة التصميم. السترات تمايلت بشرّابات طويلة، التنانير تفتّحت عليها تطريزات زهرية متشابكة، والفساتين بطبقاتها المتعددة بدت مصممة لالتقاط الضوء والحركة معاً. وحتى الإكسسوارات لعبت دور البطولة: أقراط ضخمة، أحزمة مطرّزة بالخرز، وأوشحة مطبوعة بأنماط متضاربة، جميعها ساهمت في صنع إيقاع بصري متكامل.
المجموعة لم تأتي فقط كاستعراض للأقمشة والزخارف، بل كموقف ضد تيار السكون الذي يسيطر على الموسم. ففي حين اتجهت دور كثيرة نحو القصّات النظيفة والألوان الحيادية، أصرّ دي فينتشنزو على تحويل المرأة إلى أيقونة مشهدية تدخل أي مكان كعاصفة من البريق. إنها امرأة لا تخشى المبالغة، بل تتقن فن الاستعراض وتحتفل بجرأتها دون اعتذار.
قوة العرض لم تكمن في ابتكاراته التقنية بقدر ما ظهرت في رفضه الانصياع للقيود. لقد شكّل رسالة بأن الماكسيمالية ليست مجرد خيار جمالي، بل إعلان هوية وشكل من أشكال المقاومة البصرية. وهكذا، استطاع ماركو دي فينتشنزو أن يرسّخ موقعه في إيترو كصوت مختلف، يختار دائماً أن يصرخ في وجه الصمت.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.