هناك شيء لا يشبه أي شيء آخر في عالم الحلي حين نتحدث عن الألماس النادر. ليس مجرد حجر كريم يتوهج تحت الضوء، بل حكاية مكتملة العناصر: تاريخ، أسماء، أسرار، وسحر لا يفقد بريقه مهما تبدلت الأزمنة. الألماس الذي عاش مليارات السنين في أعماق الأرض يخرج اليوم محمّلاً بالمعاني، ومنحوتاً بأسماء تحمل دلالات إنسانية، سياسية، عاطفية وحتى شاعرية. لهذا السبب، لم تكن الألماسيات الشهيرة مجرد قطع تتزين بها التيجان أو الأعناق، بل رموز عبرت بين الملوك والإمبراطوريات والعشاق والأثرياء، واحتلت صفحات التاريخ مثل الشخصيات تماماً.
تسمية الألماس لم تكن تفصيلاً ثانوياً. فكثير من هذه الأسماء ولد من شكل الحجر أو لونه أو قصته أو من الأشخاص الذين مرّ بين أيديهم. فبعض الأسماء يلمّح إلى مجد وأسطورة، وبعضها يكشف جانباً إنسانياً أو حتى مفارقة طريفة. ومع كل اسم، تتكشف طبقات إضافية من الحكاية.
أشهر أحجار الألماس عبر الأعوام
• لنبدأ مع إكسيليسيور Excelsior ، ذلك الحجر الذي اكتشف عام 1893 في جنوب أفريقيا بوزن يقارب ألف قيراط، وكان الأكبر في العالم آنذاك. وُصف بأنه مسطح من جهة ومرتفع كالقمة من الجهة الأخرى، في شبه لافت برغيف خبز. اسمه يعني الأعلى، لكن المفارقة أن هذه القطعة المهيبة قُسمت إلى واحد وعشرين جزءاً أصغر، في قرار وُصف لاحقاً بأنه خسارة كبرى في تاريخ الألماس الطبيعي.
• أما ألماسة نيارخوس Niarchos، التي عُرفت أولاً باسم ملكة الجليد، فتجمع بين الدهشة والدراما. وصلت إلى دار هاري وينستون في كيس ورقي بسيط في الخمسينيات، ثم تحولت بعد عام من العمل المتقن إلى حجر كمثري مذهل بوزن يزيد على 128 قيراطاً. لُقبت بملكة الجليد لأنها تكاد تختفي بين مكعبات الثلج من شدة صفائها. اشتراها لاحقاً رجل الأعمال اليوناني ستافروس نيارخوس لزوجته، لتكتسب في النهاية اسمه وتخلّد به.
• في المقابل، تظهر ألماسة هورتنسيا Hortensia كأنها فصل من رواية تاريخية. حجر وردي باهت ارتبط اسمه بملكة هولندا هورتنس دو بوهارنيه، ومر عبر البلاط الفرنسي وتاج نابليون وتيجان الإمبراطورات. اللافت أن صاحبة الاسم ربما لم ترتدها يوماً، لكنها بقيت شاهدة على حياة سياسية وعاطفية صاخبة، تماماً مثل زمنها.
• قصة أخرى لا تقل تشويقاً هي قصة دارياي نور Daria-I-Noor، بحر النور، إحدى أثمن الألماسات الوردية في العالم ضمن جواهر التاج الإيراني. اسمها كأنه انعكاس لسطح بحر هادئ، وهي مرتبطة تاريخياً بغنائم الحقبة التي انتقلت فيها الجواهر بين الهند وإيران. شقيقتها نور العين تحمل الروح نفسها، فقد تُوّجت بها تيجان الأعراس الملكية وبقي الضوء العنصر الذي يجمع بينهما.
• ثم هناك ألماسة جونكر Jonker، التي تحمل بصمة الإنسان العادي. اكتشفها عامل بسيط بعد ثمانية عشر عاماً من البحث الشاق، فحملت اسمه لا اسم ملك أو إمبراطور. انتقلت بعدها بين القصور والأسر الحاكمة، لكنها ظلت مرتبطة بنقطة البداية: رجل واحد وحلم طويل لم يكتمل كما توقع.
• ألماسة يوريكا Eureka، الأولى في جنوب أفريقيا، ليست الأكبر ولا الأكثر نقاءً، فهي حجر أصفر بني صغير نسبياً، عُثر عليه عام 1866، ففتح باباً على تاريخ كامل من الاكتشافات والتبدلات الاقتصادية. قيمته الرمزية اليوم تفوق وزنه وقيراطاته.
• أما روح دي غريسوغونو Spirit Of DeGrisogono، فهي حكاية مختلفة تماماً. ألماسة سوداء ضخمة تحمل اسم قاطعها الشهير وتخالف السائد بلونها، قُطعت بأسلوب موغولي كلاسيكي ثم رُصعت في خاتم تحيط به مئات الألماسات البيضاء. حتى اليوم، يلف الغموض مكان وجودها، وكأن اسمها قدرها.
هل انتهت القصص؟ بالتأكيد لا. لا تزال قطع جديدة تخرج إلى الضوء مثل سولو المكتشفة عام 2019، ولا تزال المزادات تحطم الأرقام القياسية كما حدث مع الألماسة الوردية الشهيرة التي بيعت بملايين الدولارات. الأسماء الجديدة تولد، العشاق الجدد يمنحون أحجارهم معاني شخصية، والنجوم يواصلون علاقتهم القديمة مع البريق.
في النهاية، الألماس ليس مجرد فخامة ولا استثمار. إنه ذاكرة متجسدة في حجر صلب وشفاف في الوقت نفسه. كل قطعة تحمل طبقات من التاريخ والخيال والعواطف، وكل اسم يمنحها روحاً إضافية. وربما لهذا السبب تحديداً، تبقى القصص مفتوحة، تنتظر الأحجار القادمة التي ستمنحها الألسنة اسماً جديداً وسحراً لا يزول.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.