صناعة الموضة تقوم على التغيير المستمر لا تعرف الثبات والجمود، ولا تصل إلى نقطة أو ذروة نجاح وتقول هذا هو "سأتوقف قليلًا" هي الصناعة الأكثر ديناميكية يصعب التنبؤ بمستقبلها، والجميع بداخلها في حالة تأهب مستمر لكن في الفترة الأخيرة وتحديدًا منذ عام 2024 أصاب عالم الموضة موجة عاصفة طالت المدراء الإبداعيين لأشهر علامات الموضة حتى أصبح الأمر أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، يغادر مصمم منصبه وبعد أيام يتولى منصب جديد في دور أخرى الأمر الذي استمر مع عام 2025 فخلال الأيام القليلة الماضية تغيرت الكثير من ملامح قيادة دور الأزياء رحلت دوناتيلا فيرساتشي عن منصبها في علامتها، ومؤخرًا انتقل جاك مكولو ولازارو هيرناندي مؤسسا علامة Proenza Schouler لقيادة لويفى Loewe بعد رحيل جوناثان أندرسون.
ماذا يحدث داخل علامات الموضة؟
لكل علامة موضة إدارة خاصة من ضمن مهامها التخطيط للمستقبل ووضع السيناريوهات والاحتمالات خاصة مع كبرى دور الأزياء من بينها حركة انتقال مصممو الأزياء، وما هي البدائل أمامهم، وأيضًا دراسة السوق ووضع أعينهم على المواهب المحتملة لاستقطابهم، بالإضافة إلى تمكين فرق التصميم من داخل الدار وملاحظة المواهب التي ربما ستقود العلامة في الفترات المقبلة، لا شيء يأتي بالصدفة ولا يمكن لأي دار الاعتماد على مصمم واحد فقط، وأكبر مثال هو خطة الخلافة التي كانت ترسمها شانيل بعد رحيل كارل لاغرفيلد مما أدى إلى انتقال سلس للمصممة فيرجيني فيارد ثم إلى فريق التصميم في الدار الذي قدّم عدة عروض جيدة، وصولًا إلى استقطاب ماثيو بلازي من بوتيغا فينيتا.
الخوف من المجازفة
في أي صناعة وليست الموضة فقط عندما ينجح نموذجًا ما أو أسلوب ما يرغب الكل في تجربته واعتماده، وهو تحديدًا ما أدى إلى لعبة الكراسي الموسيقية في عالم الموضة، فعندما نجح ماتيو بلازي في بوتيغا فينيتا وأبهر الجميع بتفاصيل تصاميمه الراقية وحرفيته المعاصرة استقطبته على الفور دار شانيل، وعندما تفرد حيدر أكرمان بأسلوبه الحرفي في الحياكة في علامته وتقديم تصاميم معاصره اقتنصته دار توم فورد، فهل هو خوف من المجازفة واختيار المصمم المضمون؟
يقوم عالم الموضة على الأرباح المادية فهو مثل أي صناعة أخرى، واليوم مع الحالة الاقتصادية الضبابية، والضربات المتلاحقة المادية لقطاع السلع الفاخرة الذي يشهد تباطوًا في النمو من الصعب أن يتخذ ملاك علامات الموضة قرارات بها مجازفة قد تؤدي إلى مزيد من الخسائر المادية لذلك يتجهون إلى الحلول المضمونة وتعيين مصممون من علامات أخرى حققوا النجاح بالفعل وأفضل ما يمكن تحقيقه للمصممين الشباب هو ضمهم إلى فرق التصميم في الدار.
لكن إلى أي مدى ستستمر هذه اللعبة؟
انتقال المصممون من دار أزياء إلى أخرى ليس بالجديد لكن الأمر أصبح لافتًا خلال السنوات الأخيرة مع قلة الاعتماد على صعود الوجوه الجديدة لعل أبرز مثال هو انتقال ديمنا غفاساليا المدير الإبداعي لدار بالنسياغا إلى قيادة غوتشي على الرغم من الانتقادات التي طالت ديمنا بسبب توجهاته في بالنسياغا وجرأته الصادمة بالإضافة إلى حادثة الحملة الدعائية المسيئة للأطفال إلا أنه كان الخيار المضمون لشركة كيرنيغ مالكة غوتشي بسبب تحقيقه للنجاح المادي في بالنسياغا خاصة أن غوتشي تمر الآن بأسوأ أداء اقتصادي منذ سنوات وخسائر متواصلة.
المشكلة الأخرى هي التكرار وعدم التجدد فبالرغم من النجاح الكبير الذي يحققه أليساندرو ميكيلي مع دار فالنتينو قادمًا من غوتشي إلى أنه ما زال يتمسك بهويته الشخصية مع استلهام عناصر فالنيتنو لكن النتيجة هي أقرب ما يكون لما كان يقدمه في غوتشي.
لا شك أننا سنشهد في الأيام القادمة المزيد من التغيرات وحركة الانتقالات للمدراء الإبداعيين مع وجود القليل من الأسماء الجديدة، على الرغم من أنها حركة طبيعية إلا أن اختيار عدم المجازفة في ظل حالة اقتصادية ضبابية ومضطربة حتمًا هو السبب الأول في اختيار الأسماء المضمونة التي ثبت نجاحها، فلا وقت لتجربة أو تمكين المواهب الشابة!
مُحررة أخبار وكاتبة مقالات لموقع gheir.com، شغفي بصناعة الأزياء دفعني إلى التعمق و دراسة أصولها، بينما خبرتي الأكاديمية في مجال الإعلام جعلت مهنة مُحررة الموضة هي الأمثل لي، لأنقل لكم يومياً أخبار الأزياء و المجوهرات، و حوارات مع أهم شخصيات الموضة العالمية والعربية بجانب تحليلات أسبوعية تكشف كواليس و خبايا صناعتها.