هناك شيء خاص في اللون الأبيض يجعلني دائماً أشعر بالهدوء والصفاء، وكأن كل شيء حولي يصبح أكثر وضوحاً ونقاءً حين أرتديه أو أراه في تفاصيل حياتي اليومية. الأبيض ليس مجرد لون، إنه مساحة للتنفس، لوحة فارغة يمكن أن نرسم عليها كل أحلامنا وأفكارنا. لذلك، لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي أن تعلن شركة بانتون عن اختيارها اللون الأبيض كـ"لون السنة" لعام 2026، تحت اسم Cloud Dancer ، أو الأبيض المتوازن والناعم. هذا الاختيار يحمل الكثير من الدلالات الثقافية، لكنه يثير تساؤلات مثيرة حول دوره في عالم الموضة وأسلوب حياتنا.
سعياً وراء الهدوء
حسب بيان بانتون، يقدم اللون الأبيض وعداً بالوضوح والبساطة وسط الفوضى التي نعيشها اليوم. في عالم متسارع ومليء بالمشتتات، يبدو أن اختيار الأبيض هو محاولة للتواصل مع الداخل، للتخلص من الضوضاء المحيطة والتركيز على ما هو أساسي. لكن في سياق الموضة، يطرح الأبيض تحدياته الخاصة، فهو لون صارم، لا يحتمل الأخطاء، ويبرز كل تفاصيل الإطلالة بطريقة لا تسمح بالخفاء أو التناسي.
لقد لاحظت ذلك بوضوح في عروض ربيع 2026، خاصة في نيويورك، حيث افتتحت علامات مثل كالفن كلاين وديوتيما وفورم وفورمين وألين مجموعاتها بإطلالات بيضاء بالكامل. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا مجرد تنفس قصير بين الألوان الصاخبة لعروض أسبوع الموضة، ولكنه في الحقيقة صدمة بصرية للجمهور، فاللون الأبيض في عالم الموضة غالباً ما يبدو صارماً ومتطرفاً. عند التفكير في أسماء مثل جيل ساندر، مارتن مارجييلا ويوهجي ياماموتو، ندرك أن الأبيض لا يُستخدم إلا لمن يملك الجرأة على المثالية، فهو لون لا يرحم الأخطاء.
لون مع جذور عميقة
وللأبيض جذوره الرمزية العميقة. في حياتنا اليومية، نراه في القمصان الرسمية، في معاطف الأطباء، وفي الملابس الجامعية التي توحي بالنقاء والانضباط. في الثقافة الغربية، يرمز الأبيض في الأعراس إلى الطهارة والعذرية، وهو ما أصبح اليوم يبدو قديم الطراز، بينما في ثقافات أخرى قد يرمز إلى الحداد. ومع ذلك، تبقى هذه الرموز حاضرة تجاريًا، حيث تطلق العلامات التجارية مجموعات زفاف صغيرة بألوان بيضاء للفعاليات المرتبطة بالعرس، مثل حفلات وداع العزوبية والتجهيزات قبل اليوم الكبير.
ومن المنصات العالمية، لم يغب الأبيض عن السجادة الحمراء هذا العام. في حفل MET Gala، تألقت النجمات بإطلالات بيضاء، من ديانا روس إلى روزاليا وزندايا، وصولًا إلى لويس هاميلتون. وحتى في مهرجان كان السينمائي، اختارت جينيفر لورانس وإيما ستون الأبيض في أزيائهما الرسمية. لكن الواقع أن معظمنا لا يعيش على السجادة الحمراء، والملابس البيضاء صعبة العناية، فهي مثالية جدًا بحيث أي بقعة صغيرة تصبح واضحة، ما يجعل من ارتدائها تحدياً يومياً حقيقياً.
الأبيض وصناعة الموضة
من منظور الموضة العالمية، يظهر أن الأبيض أصبح جزءا من "الستايل النظيف" الذي انتشر على تيك توك في السنوات الأخيرة، وهو اتجاه جمالي يثير الجدل أحياناً بسبب دلالاته الثقافية والاجتماعية. ومع ذلك، لم يعد الأبيض مجرد لون، بل أصبح رمزاً للصفاء، للبساطة، وربما لمحاولة إعادة ضبط حياتنا اليومية وسط ضوضاء العالم.
بانتون اختارت الألوان منذ عام 1999، وانتقلت من درجات زاهية مثل Honeysuckle وLiving Coral إلى ألوان أكثر حيادًا في السنوات الأخيرة، وصولًا إلى Cloud Dancer . الأبيض المتوازن هذا يبدو أكثر صرامة وجرأة بين الألوان المحايدة، ويذكرنا بعروض كوتور البيضاء التي قدمها بييرباولو بيتشولي لفالنتينو في خضم جائحة 2020، عندما كانت الموضة رد فعل على الفوضى العالمية. اليوم، ربما لا تكون الفوضى نفسها، لكن الأبيض يظل لغة متقنة للتعبير عن الحاجة إلى الصفاء والهدوء، سواء على المنصات أو في خزاناتنا اليومية.
في النهاية، الأبيض ليس مجرد لون، إنه مساحة للتنفس، إطار للبساطة، وإطلالة على النقاء في عالم متقلب. ربما لن يكون أسهل لون للارتداء، لكنه بالتأكيد واحد من أكثر الألوان قدرة على التأثير بصرياً ونفسياً.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.