في عالم الموضة المعاصر، تبرز المواهب العربية بإبداعها وقدرتها على دمج التاريخ بالحداثة، وفرح المسباح واحدة من هؤلاء المصممين الذين يترجمون تراثنا الغني إلى فساتين معاصرة وفاخرة. مجموعتها الأخيرة "الآيات" مستوحاة من قصص القرن السابع والإيماءات الروحية العميقة، لكنها تقدمها بطريقة تصل إلى المرأة العربية اليوم، محافظة على هويتها الثقافية. فرح تستخدم الرموز، الألوان، والتفاصيل الدقيقة لتروي حكايات الهجرة، النجوم، والبيوت الطينية بأسلوب يوازن بين الاحترام للتراث والجرأة الإبداعية. في هذه المقابلة، نتعرف على فلسفتها في المزج بين الروحانية والموضة، كيف تجسد قوة المرأة العربية، وكيف تجعل من التراث جزءاً حيّاً من الجمال العصري.
مصدر وحي غير متوقع
سألنا فرح المسباح عن مصدر إلهام مجموعة "الآيات"، فقالت: "الإلهام جاء بينما كنت جالسة في صالون عربي تقليدي في منزلي، ورأيت عنكبوتاً غريب الشكل بجانبي، ما جعلني أفكر كيف حمى هذا المخلوق الرقيق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ عندها بدأت أتأمل في المعجزات الروحية وحياة الناس في تلك الحقبة، ومن هذه النقطة استلهمت تصاميمي. بالنسبة لي، الموضة هي تعبير عن الذات، أسلوب الحياة والثقافة، وهذا ما جعلني أوازن بين الأفكار الروحية وتصميم فساتين قابلة للارتداء تعكس شخصية امرأة فرح المسباح".
ألوان ذات رمزية عميقة
عن الرموز والألوان المستخدمة في المجموعة، أوضحت فرح: "اعتمدت بشكل أساسي على الألوان والمرئيات التي نراها يومياً وفسرتها بشكل مباشر وغير مباشر. على سبيل المثال، استخدمت اللون البيج الذي يرمز إلى الرمال ويمثل طريق الهجرة من مكة إلى المدينة، وكذلك الطين الذي تُبنى به المنازل والزخارف التي على جدرانها، وعكست ذلك في التطريز. أما اللون الأزرق الغامق فيرمز إلى السماء والنجوم التي اعتمد عليها المسافرون لتحديد الاتجاهات في الصحراء. كما حملت تفاصيل الفساتين رموزاً روحية، مثل التنورات المشدودة التي تشبه القباب، الفساتين المطرزة التي تشبه أزياء الحج، العمائم، الحجاب، وفتحات تمثل الكهف الذي حمى العنكبوت فيه".
تقدير للقرن السابع
وحول الصلة بين القرن السابع والتحولات الثاقفية في العالم العربي اليوم، قالت: "أعتقد أن القرن السابع كان وقتاً بدأ فيه صوت المرأة يُسمع، حيث شاركت في التجارة، الحروب، ممارسة الطب والسياسية، دون أن تُحرم من رقتها وحمايتها. حاولت عكس هذه الفكرة في تصاميمي من خلال قصات جريئة، بعيداً عن التفاصيل الرقيقة المعتادة مثل الشرائط أو الكشاكش، لتصوير امرأة قوية لا تخاف أن تكون جزءاً من التغيير، محمية في منزلها لكنها مرئية ومسموعة في المجتمع. العنكبوت بالنسبة لي رمز للزمن، والمرأة العربية اليوم ما زالت تحمي هذه الحقوق منذ 1400 سنة".
روحانية حاضرة في الكثير من التفاصيل
وعن دمج الروحانية بالحداثة، قالت: "أحرص دائماً على ألا أبتعد عن هويتي وهويّة امرأة فرح المصباح. أستمتع بتجربة أفكار جديدة مع لسمات تاريخية، لكن بطريقة حديثة متقنة تناسب الموضة الحالية، وأمزجها مع أفكار أستطيع أن أتعرف عليها شخصياً. عملية التصميم أطول وأكثر تعقيداً مما تبدو عليه، وغالباً ما أغير التصميم أثناء تطويره حتى يصل إلى الشكل النهائي المتوازن الذي يعكس هويتي وإلهامي دون المساس بجمال التصميم وكيفية ملائمته للمرأة التي ترتديه".
وعن الرسالة التي تأمل أن تصل من "الآيات"، قالت فرح: "الإيمان دائماً جزء من هويتنا ويؤثر بشكل كبير على ثقافتنا، لكن في بعض الأحيان يبدو أن الموضة تتجاهل هذا الجانب. لذلك ركزت على إعادة اكتشاف التراث وإبرازه، باستخدام الهندسة والزخارف الإسلامية في صياغة فاخرة ومعاصرة. أردت أن تبقى هذه العناصر مرتبطة بزمننا الحالي، جزءاً من هويتنا وتراثنا، لا محصورة في الماضي أو في الأشياء التقليدية فقط، بل جزءاً من حياتنا اليومية. أشعر بالسعادة لمواصلة هذه التجارب في مجموعاتي المقبلة لأنها جزء من تراثي وقصة أجدادي التي أفتخر بتقديمها كمصصممة".
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.