في وقت لم تكن فيه بداية مصمم جديد على رأس دار أزياء سوى حدث استثنائي يُشعل الحماس ويغذي الترقّب، باتت هذه اللحظات اليوم مشهداً اعتيادياً يتكرر كل موسم، ما أفقدها عنصر الدهشة وأفرغها من كثير من معناها. فكل أسبوع موضة تقريباً يشهد سلسلة من التعيينات الجديدة، حتى بات الأمر أشبه بسباق تبديل مقاعد لا نهاية له. لكن ما الذي تأمل دور الأزياء في تحقيقه من وراء هذه التحولات المتسارعة؟ وهل ما زالت هذه البدايات تعني شيئاً حقيقاً للجمهور؟
من بريق البداية إلى سطوة التكرار
لطالما كانت البدايات بمثابة اختبار حقيقي لأي دار أزياء وفرصة لاستكشاف رؤية جديدة تنسج فوق خيوط إرث طويل. لكن في السنوات الأخيرة، لم يعد المصممون يملكون ترف الوقت لبناء هوية متماسكة أو ترسيخ تأثيرهم داخل الدار. فالمشهد اليوم لم يعد يتسع لفترات طويلة كالتي حظي بها كارل لاغرفيلد في "شانيل" أو مارك جايكوبس في "لويس فويتون". أصبح من الطبيعي أن يغادر المصمم بعد موسم واحد، بل أحياناً قبل أن يرى الجمهور تصاميمه في المتاجر، كما حدث مع لودوفيك دو سان سيرنان في "آن ديموليميستر".
نهاية عهد الاستمرارية
يبدو أن العلاقة بين المصمم والدار التي يتولى قيادتها تمر بمرحلة تحوّل عميق. فبينما كان المصمم سابقاً يُنظر إليه كشخصية قادرة على إحداث ثورة داخل العلامة التجارية، بات اليوم أقرب إلى أداة تُستخدم لتحقيق أهداف قصيرة المدى. وهذا ما يجعل رحيل المصمم بمثابة أزمة وجودية للدار، لا سيما إذا كان قد صبغها بهوية بصرية قوية، كما فعل أليساندرو ميشيل في "غوتشي".
وعندما غادر ميشيل الدار بعد أن ضاعف أرباحها إلى أكثر من 10 مليارات يورو، سعت الشركة الأم "كيرينغ" إلى إعادة التوازن من خلال تعيين ساباتو دي سارنو، الذي اتُّهمت مجموعته الأولى بأنها "تجارية بحتة" – اتهام رفضه بشدة، لكن دون أن تُترجم تصاميمه إلى نجاح مالي يُذكر. وهكذا، أصبح دي سارنو مجرّد حلقة عابرة في تاريخ غوتشي بين عهدين قويين.
حين يُصبح الإرث عبئاً
العديد من المصممين يدخلون الدور الكبرى وهم يحملون رؤى شخصية قوية، لكنهم نادراً ما يفلحون في التوفيق بينها وبين هوية العلامة الأصلية. هذا التحدي لا يُحلّ بالسهولة التي توحي بها لحظة التعيين الأولى. ولعل التجربة الأبرز في هذا السياق هي تجربة شيمينا كمالي في "كلويه"، التي أثبتت أن الانسجام بين المصمم والدار لا يحتاج إلى ضجيج إعلامي بقدر ما يحتاج إلى فهم حقيقي لروح العلامة.
كمالي لم تعمد إلى إعادة ابتكار العجلة، بل أعادت صياغة إرث "كلويه" بلمسة أنثوية ناعمة، تستحضر حقبة السبعينيات وأسلوب "الفتاة البوهيمية" التي لطالما ارتبطت بالدار، مع نفحات من أوائل الألفينات. نجاحها كان في الأصالة، لا في الاستعراض.
من الجدل إلى التكرار
في المقابل، هناك تعيينات أخرى تبدو وكأنها نُسخ مكررة من بعضها البعض، حيث يُعاد تدوير الأسماء ذاتها من دار إلى أخرى. في هذا السياق، قد يبدو تعيين ديمنا غفاساليا في "غوتشي" خطوة مثيرة، لكنها أيضاً جزء من نمط بات متكرراً: نفس الأسماء، نفس الرؤى، فقط بتوقيع مختلف.
هل من مخرج لهذا الدوامة؟
في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تسيطر على السوق الفاخر، تلجأ الدور إلى الأسماء المضمونة التي تجلب معها جمهوراً جاهزاً، فتُصبح لحظة البداية أقرب إلى اختبار للسوق، لا للتفرّد الإبداعي. ورغم أن الشهرة قد تضمن الانتشار الأولي، إلا أن النجاح الحقيقي يحتاج إلى وقت، والوقت، كما نعلم، ليس ترفًا متاحًا في الموضة المعاصرة.
النتيجة؟ بدايات فقدت سحرها، ومصممون لا يُمنحون الفرصة للانطلاق، وعالم موضة يسير بخطى ثابتة نحو التكرار الممل ما لم يُعاد التفكير في علاقة المصمم بالدار، وفي معنى الإبداع ذاته.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.