مع بداية أسبوع الموضة الرجالية في باريس، كان الحدث الأكثر ترقباً بلا منازع هو العرض الأول لجوناثان أندرسون لدى دار Dior. فالانتقال من دار Loewe، حيث قضى أحد عشر عاماً مكرّساً نفسه لابتكار لغة بصرية مدهشة للدار الإسبانية، أدّى به إلى قيادة ديور بكل مجموعاتها – الرجالية والنسائية والإكسسوارات – وهي خطوة غير مسبوقة لم شهدها الدار منذ أيام كريستيان ديور نفسه.
السؤال الكبير الذي شغل الجميع: كيف سيعيد أندرسون رسم ملامح الهوية الفاخرة لدار تتمتع بتاريخ عريق، وكيف ستنعكس رؤيته التجريبية والمليئة بالرموز الثقافية في مجموعة رجالية؟ الجواب لم يتأخر، إذ جاء العرض بمثابة بيان واضح بأن جوناثان لا يهاب اللعب بالمراجع الأدبية والفنية، وأنه يفهم جوهر "ديور" بقدر ما يسعى إلى دفعه نحو آفاق جديدة.
النجوم في الصف الأول – من جو ألوين ودانيال كريغ إلى ريهانا وروبرت باتينسون – شكلوا دليلاً على أن هذا العرض كان أكثر من مجرد عرض أزياء، بل حدث ثقافي بامتياز. وأثار العرض تفاعلاً واسعاً، ليس فقط بفضل القصّات المبتكرة أو الأسلوب الشعري الذي طغى على التفاصيل، بل أيضاً بسبب الإكسسوارات، وتحديداً الحقائب، التي باتت فوراً مادة للحديث في أوساط الموضة.
الحقائب: مزج بين الثقافة الشعبية والأناقة الراقية
من بين العناصر التي سرقت الأنظار على منصة العرض كانت الحقائب الجديدة التي قدّمها أندرسون، والتي بدت وكأنها تعبير ملموس عن رؤيته الجريئة والذكية في آن. ففي هذه التشكيلة، لا تُعامل الحقيبة كملحق تكميلي بل كبطلة قائمة بذاتها، تتمتع بحضور مسرحي وفكري في آن واحد.
على خشبة العرض، رأينا حقائب صُممت وكأنها كتب أدبية ضخمة – فكرة شاعرية وغنية بالدلالات، تُترجم ولع أندرسون بالثقافة المكتوبة وتمنح الحقيبة بُعداً رمزياً. واحدة منها تحمل عنوان Dracula لبريم ستوكر، مصمّمة بلون أصفر فاقع مع حروف حمراء بارزة، وكأنها تصرخ بالدراما. حقيبة أخرى تحمل عنوان Bonjour Tristesse من تأليف فرانسواز ساغان، بيضاء بحواف خضراء كأنها صفحة تُقلب. أما الحقيبة السوداء التي كتبت عليها عبارة "In Cold Blood" لتروما كابوتي، فهي ترجمة بصرية لحالة توتر وشغف حادة، مع رسوم تشبه طلقات الرصاص.
إلى جانب هذه الحقائب-الكتب، ظهرت نماذج أخرى أكثر نعومة ولكن لا تقل جرأة، مثل حقيبة القش ذات الكتابة الهادئة "Dior by Dior"، وأخرى مصنوعة من الفرو الكثيف بألوان محايدة وأزرق كهربائي، مزينة بشراشيب كبيرة الحجم تمنحها طابعاً حركياً ومسرحياً في آن. أما أيقونة العرض، فقد كانت الحقيبة المتوسطة الحجم المزينة بالشراشيب والتي تعاون فيها جوناثان أندرسون مع محترف الفنانة الأميركية Sheila Hicks التي أضفت لمساتها الملونة الخاصة على هذا الإصدار الذي يُتوقع أن يتحول إلى حقيبة الموسم.
تصميم للجميع: أنوثة وذكورة في توازن عصري
اللافت أن كل هذه الحقائب، رغم أنها ظهرت ضمن عرض رجالي، تبدو مصممة لتتجاوز الحدود التقليدية للجندر. فكل قطعة تتمتع بجاذبية تصلح للنساء كما الرجال، وتمزج بين الحِرَفية العالية والخفة الإبداعية. هذا ما يجعلها قطعاً مرغوبة بشدة فور نزولها، خصوصاً في عصر يتبنى فيه المستهلكون حرية التعبير عبر المظهر.
وفيما بدأت مواقع التواصل تمتلئ بصور المشاهير وهم يحملون هذه الحقائب، يبدو واضحاً أن أندرسون نجح في إطلاق أكثر من مجرد "It Bag"، لقد أطلق حركة، وموقفاً، وتوقاً جديداً إلى اقتناء حقيبة ليست فقط جميلة، بل ذكية أيضاً.
في النهاية، قد تكون الحقائب هي المدخل الأبسط لفهم ما يريده جوناثان أندرسون من ديور: إعادة ربط الموضة بالثقافة، بجماليات ناعمة وبصرامة فكرية في آن. وهي بداية تبشّر بمستقبل مثير لهذا التعاون بين مصمم استثنائي ودار أيقونية.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.