في زمن يتخبّط فيه العالم بين التحوّلات المتسارعة والتكنولوجيا المتفلّتة والأزمات المتراكمة، يأتي عرض جورج حبيقة للهوت كوتور كدعوة إلى التأمّل، لا للهروب، وليكون وقفة تأمّلية أمام معنى الأناقة، ومعنى الحرفة، ومعنى أن نتمسّك بالجمال وسط ضجيج الفوضى.
عرض أزياء أم لحظة تأمل في العالم؟
في مجموعته الجديدة، لا يقدّم جورج حبيقة مجرد أزياء مترفة، بل يطرح رؤية فلسفية عميقة تستند إلى فكرة المواجهة لا الهروب. فالجلوس في عرض هوت كوتور، بالنسبة له، ليس انغماس في الخيال بل مواجهة مع الواقع. في كل طيّة، غرزة، وخطّ، هناك محاولة لإعادة رسم عالم أكثر اتزانًا وأناقة وسط عالم مضطرب.
العودة إلى الجذور... بعيون معاصرة
احتفالاً بدخوله العقد الثالث من مسيرته الإبداعية، يعود حبيقة إلى الجذور التي شكّلت رؤيته الجمالية: الحرفية، الدقّة، والولاء لجماليات الأناقة الكلاسيكية. ولكن هذا الرجوع ليس تكراراً للماضي، بل انبعاث جديد منه. فالتصاميم، وإن بدت مستوحاة من عصور ذهبية، تنبض بحداثة واضحة ومرونة في الخطوط تنقلها من زمن إلى آخر.
الهندسة والأنوثة في توازن دقيق
التصاميم أتت وكأنها منحوتات ناعمة، تجمع بين الصرامة المعمارية ورقّة الأنسجة. نرى سترات مشدودة الكتفين، فساتين بتفاصيل مطرزة بأناقة، وخطوطًا هدنسية تعانق الجسد دون أن تقيّده. الأقمشة المختارة—من التول إلى الأورغنزا—عكست خفّة الحلم، فيما الألوان—من العاجي والذهبي الوردي إلى الأسود العميق—عزّزت الشعور بالسمو والرقي.
من الشك إلى التصميم… أزياء تتكلّم لغة التحدّي
المجموعة تنبثق من صراع داخلي: بين الشك بالنفس والإصرار، بين القيود المفروضة والرغبة بكسرها. كل تصميم بدا وكأنه يردّ على تساؤلات العصر بردّ شاعري، حازم وهادئ في آن. هذه الأزياء لا تخضع للصيحات، بل تخلق صيغة أزلية من الجمال الصامت.
تكريم للماجستير واستمرارية للرؤية
في طيّات هذه المجموعة، يكرّم جورج حبيقة أساتذة الهوت كوتور الذين سبقوه، ولكنّه لا يقلّدهم. بل يمشي على خطاهم بروح متجدّدة، متواضعة، ومتصلة بخيط غير مرئي بين الماضي والحاضر. الحرفة هنا ليست أداة للتزيين فقط، بل وسيلة للارتقاء، للبحث عن الحقيقة، ولصياغة هوية جمالية تتجاوز اللحظة.
الهوت كوتور كأداة مقاومة
في عرض جورج حبيقة، تصبح الخياطة الراقية فعلًا وجودياً. هي ليست ترفاً، بل طريقة لمقاومة التشتّت، لاستعادة السيطرة، وللتعبير عن الذات في زمن ضبابي. ومع كل غرزة، يقدّم حبيقة تذكيراً بأن الجمال، حين يُصنع بحبّ وتفاني، يمكن أن يكون أكثر أشكال المقاومة رهافةً وعمقاً.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.