أجمل ما في أسبوع دبي للموضة أنه لم يعد مجرد منصة محلية تستعرض الأزياء، بل تحوّل إلى حدث يضع المدينة في صدارة المشهد العالمي للأناقة. فمنذ سنوات قليلة، كانت وجهات مثل نيويورك ولندن وميلانو وباريس هي المحطات التي تحدّد إيقاع الموضة العالمية. اليوم، باتت العواصم الأربع الكبرى تستعد بعد أن تضيء دبي منصتها، لتصبح هي نقطة الانطلاق الأولى التي تُرسم منها الملامح وتُعلن الصيحات.
دبي لم تعد فقط مدينة تجارية أو سياحية، بل أصبحت مركزاً للأناقة في الشرق الأوسط، ووجهة مثالية للعلامات المرموقة التي تبحث عن جمهور متنوع وعالمي. وبقدر ما تستقطب هذه التظاهرة كبريات دور الأزياء العالمية، فإنها في الوقت نفسه تؤكد التزامها برغاية ودعم المواهب العربية الشابة، وهو ما يمنحها شخصية خاصة وموقعاً لا ينافسه أحد في المنطقة.
اليوم الأول من أسبوع دبي للموضة لهذا العام كان دليلاً إضافياً على هذا الحضور المتوازن بين العالمي والمحلي، بين الخبرة الطويلة والطاقة الجديدة. ثلاثة عروض رئيسية خطفت الأنظار، كل منها قدّم سردية مختلفة عن الآخر، لكنها التقت جميعاً في نقطة واحدة: إبراز كيف يمكن للأزياء أن تكون لغة عالمية بلا حدود.
Rizman Ruzaini: حين تتكلم الطبيعة بلغة الدار
دار الأزياء الماليزية "Rizman Ruzaini" افتتحت الأسبوع بقوة عبر تشكيلة "RIMBA" لموسم ربيع وصيف 2026، احتفالاً بمرور عشرين عاماً على تأسيسها. أكثر ما أعجبني في هذا العرض هو تلك القدرة على نقل الغابات المطيرة من جنوب شرق آسيا إلى منصة العرض، ليس بشكل حرفي، بل بلغة بصرية تعكس السكينة والحيوية معاً. الألوان الداكنة والترابية منحت التصاميم قوة وحضوراً، بينما جاءت التطريزات الدقيقة كتجسيدٍ فني للتنوع البيئي. القصّات، في رأيي، كانت ترجمة مثالية لمفهوم "الديمي كوتور"، إذ جمعت بين الرقة التي تُغري العين والقوة التي تفرض نفسها. العرض كان بمثابة بيان افتتاحي جريء، يضع السقف عالياً لما سيأتي بعده.
Heba Jasmi: أنوثة معمارية تنبض من دبي
العرض الثاني حمل توقيع المصممة الإماراتية "Heba Jasmi"، التي قدّمت تشكيلتها "Born to Rise" . ما شدني هنا هو الطريقة التي أعادت بها صياغة الأنوثة بلغة معمارية أنيقة، وكأنها تبني جسوراً بين ملامح المرأة ورمزية المكان. الألوان المختارة – من الذهبي إلى الأخضر الفاتح مروراً بالمرجاني الصحراوي والكحلي الليلي – كانت لوحة شاعرية توازن بين الدفء والفخامة. أكثر ما أحببته هو تلك التفاصيل الصغيرة: تطريزات الأزهار الناعمة، الحواف المزدانة بالكريستال، وطبقات الأورغنزا التي تنسدل بخفة. ما ميّز العرض أيضاً أنه لم يكن مجرد استعراض أزياء، بل كان حوارا بصريا بين التراث العربي واللمسات العالمية، وكأنه يقول إن المرأة العصرية لا تحتاج إلى الصخب لتُثبت حضورها، بل يكفي أن تمشي بهدوء وأناقة ليُفتح لها الطريق.
Krésha Bajaj: رواية شخصية تتحول إلى موضة جاهزة
أما المفاجأة فكانت مع المصممة الهندية "Krésha Bajaj"، التي قدّمت أول عروضها العالمية من دبي. تشكيلتها "The Archive of Hidden Things" كانت مختلفة، لأنها حملت معها روح "الهوت كوتور" داخل أزياء جاهزة للارتداء. هذا المزج بين العملية والفخامة كان، في رأيي، نقطة قوة العرض. ما أحببته هو السردية الواضحة التي انقسمت إلى ثلاثة فصول: Revelation، Obsession، وLiberation . كل فصل حمل طابعاً خاصاً لكنه في النهاية كوّن رواية كاملة عن الغموض والتمكين. لوحة الألوان – من الوردي الخافت إلى النحاسي المتوهج – منحت التصاميم دفئاً ورفاهية في آن. والأجمل أن Bajaj لم تكتفِ بجماليات التصميم، بل وضعت الاستدامة في صلب عملها من خلال الإنتاج المحدود وإعادة تدوير الخامات. هذا التفصيل الصغير يعكس وعياً كبيراً، ويضعها في موقع متقدّم ضمن المصممين الجدد الذين يفكرون بالمستقبل بقدر ما يفكرون بالجمال.
ختام اليوم الأول: مزيج من الجرأة والأصالة
ما خرجتُ به من اليوم الأول هو أن أسبوع دبي للموضة أصبح اليوم أكثر من مجرد منصة لعرض الأزياء، بل هو مساحة لعرض قصص مختلفة، من ماليزيا إلى الإمارات وصولاً إلى الهند. لكل عرض نكهته الخاصة، لكن اجتماعها تحت سقف دبي هو ما يجعل المشهد ثرياً ومتنوعاً. هذه القدرة على الجمع بين عراقة الدور العالمية وجرأة المصممين الشباب العرب والآسيويين، هي ما يثبت أن دبي لم تعد تلاحق العواصم الأربع الكبرى، بل صارت تسبقها وتمنحها الإلهام.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.