يبدو أن المصمم البريطاني ريتشارد كوين يعيش بالفعل فصلاً من حكاية خيالية في عالم الموضة، فهو يحظى بدعم هائل من الصناعة، ويجمع بين نموذج أعمال مباشر يقترب أكثر من جمهوره، وقاعدة من الزبائن المخلصين بشغف. والأهم من ذلك، أنه يعد اليوم واحداً من القلائل الذين ما زالوا متمسكين بفن تصميم أزياء السهرة الكلاسيكية، في زمن يطغى فيه الإنتاج السريع والاستعداد الجاهز. مشاهدة عرض لكوين تمنحك شعوراً بأنك تعودين إلى عصر ما قبل الـ"ريدي تو وير"، حين كانت البراعة اليدوية ودور الأتيلييه هي القوة المحركة للإبداع.
فساتين مستوحاة من العصر الذهبي
في عرضه لربيع وصيف 2026، قدّم كوين تجربة مسرحية أقرب إلى الأوبرا، استلهمها من بريق سيدات المجتمع المخملي. بدا العرض كأنه مشهد حي من روايات إديث وارتون عصر البراءة أو من شخصيات العصر الذهبي التي تتصارع على الهيمنة الاجتماعية. أراد كوين أن يترجم كل هذا الطيف من المشاعر الإنسانية إلى أقشمة وأشكال. ومع بدء الأمسية في قاعة "سميث سكوير" في قلب وستمنستر، خطفت نعومي كامبل الأنظار بإطلالة افتتاحية ساحرة: فستان أسود ضيق القوام، تزينه أكمام بيضاء مبالغ بها تنسدل عن الأكتاف مع قطعة مركزية من الورود، لتعلن بداية أمسية من الفن والأزياء.
المجموعة حملت تنوعاً غنياً في القصّات، تمتد من الماضي إلى الحاضر: فساتين عمودية مغطاة بالكاب تعيد إلى الأذهان أناقة العشرينيات، وتنانيير تول منفوشة تذكر بجاذبية غريس كيلي في الخمسينيات، وصولاً إلى تنورة "حورية البحر" المستوحاة من السبعينيات والتي انسيبت كالشلال تحت صديرية مطرزة بالذهب المتلألئ. كما ظهرت بصمات كوين المميزة التي ينتظرها عشاقه. أحد الفساتين الصفراء، المربوط بفيونكات متدرجة الطبقات، بدا نسخة شقيقة لفستان أحمر قدّمه في موسم ربيع وصيف 2025، وهو التصميم نفسه الذي ارتدته النجمة "سويتي" في الصف الأول. الجزء الأخير من العرض خُصص بالكامل لفساتين الزفاف، وهو قطاع يولي له كوين اهتماماً كبيراً باعتباره ركيزة أساسية في نجاح أي دار متختصصة في الديمي-كوتور.
ورغم أن كوين لم يعد ذلك المصمم المتمرّد الذي اعتدنا منه مجموعات ذات لمسة خفية، مثل فساتين اللاتكس التي بدت وكأنها مزيج بين الجرأة الملكية والترف المسرحي، إلا أنه استطاع أن يعيد صياغة اسمه ويحوّله إلى رمز للرومانسية المعاصرة. رومانسية ترتكز على قصّات دقيقة، وتطريزات زهرية رسمية، وتول ينسدل كالسحاب. وقد يكون البعض من جمهوره يفتقد جرأته السابقة، لكن لا شك أن ما يقدّمه اليوم يضعه في مصاف المصمممين الذين يمنحون الموضة لمسة خالدة، تتأرجح بين الحلم والواقع.
عرض ريتشارد كوين لربيع وصيف 2026 لم يكن مجرد منصة للأزياء، بل لوحة فنية تستحضر الماضي وتعيد صياغته بروح حديثة. بين الخيال والأوبرا، وبين الكلاسيكية والحداثة، كتب كوين فصلاً جديداً من قصته التي لا تزال تُلهم عالم الموضة وتؤكد أن الأناقة الحقيقية لا يحدّها زمن.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.