في قلب لندن، وتحديداً في محطة Battersea Power Station التي تختزن عبق التاريخ الصناعي وسط هندستها الضخمة، قدّم المصمم البريطاني باتريك ماكدويل مجموعة جديدة حملت الكثير من الطابع الشخصي والطموح. العرض لم يكن مجرد محطة عابرة، بل جاء ليكرّس انتقال المصمم من مجال القطع المصممة حسب الطلب Bespoke إلى عالم الـ Ready-to-Wear، خطوة محورية تؤسس لمرحلة جديدة في مسيرته المهنية، خصوصاً بعد حصوله مؤخراً على جائزة الملكة إليزابيث الثانية للتصميم البريطاني.
المجموعة التي حملت عنوان The Lancashire Rose جاءت كتحية خاصة لجدته كاثلين، التي نشأت في مجتمع الطبقات العاملة بين معامل النسيج والمناجم في لانكشاير. هذه الخلفية لم تكن مجرد مصدر إلهام عاطفي، بل شكّلت أيضاً مرجعية عملية في فلسفة ماكدويل القائمة على الاستدامة والدائرية في الموضة.
حضور كاثلين في كل تفصيل
انعكست شخصية الجدة في معظم الإطلالات: زهرة الأقحوان التي زيّنت حفل زفافها حضرت بشكل أو بآخر عبر أزهار الأورغنزا المطرزة أو البروشات العتيقة المثبتة على الكورسيهات. أما روح الابتكار لدى المصمم فتجلّت في تنورة ضخمة من معاطف ترنش قديمة أعاد تفكيكها وإعادة صياغتها بذكاء، لتصبح قطعة شعرية تروي حكايات صور قديمة لهونيمون على شواطئ بلاكبول. من بين الإطلالات اللافتة أيضاً بدلة رمادية من الحرير تزيّنت بزهور سوداء من الأورغنزا وقدّمت صورة متقشفة ورصينة، إلى جانب جاكيت من التفتا الذهبية ترافق مع حقيبة مطابقة منح العرض لمسة بريق كلاسيكية أعادت إلى الأذهان أناقة زمن آخر.
تعاونات تكمّل الحكاية
لم يكن العرض فقط انعكاساً لعالم عائلي حميمي، بل أظهر أيضاً روح التعاون التي يتميز بها ماكدويل. فقد صمّم بالتعاون مع Aspinal of London مجموعة من الإكسسوارات – حقائب، أوشحة، وأحذية – تم تنسيقها كطقم كامل يذكّر بعادة كاثلين في الحرص على التناسق الكامل بين تفاصيل إطلالاتها. إضافةً إلى ذلك، حملت القطع جوازات رقمية عبر منصة Certilogo لتأكيد الشفافية وإتاحة تتبّع المنتجات، في بادرة تمزج بين الحنين إلى الماضي ومتطلبات المستقبل المسؤول.
بين الشعرية والمبالغة
ورغم أن العرض جاء مفعماً بالصدق والوفاء، إلا أن التركيز المفرط على الرموز العائلية – خصوصاً زهرة الأقحوان – حمل شيئاً من المبالغة التي كادت أن تطغى على جمالية الأزياء نفسها. بعض اللحظات بدت أقرب إلى محاضرة في الحنين والرمزية منها إلى عرض أزياء نابض بالحياة، خاصة مع تنسيق الإكسسوارات المتطابق الذي اتخذ طابعاً تسويقياً أكثر من كونه خياراً أسلوبياً عفويّاً.
أين يكمن النجاح؟
القوة الحقيقية لهذه المجموعة ظهرت في القطع التي سمحت للمواد والبنية أن تتحدث بوضوح: التنورة المصنوعة من معاطف الترنش مثّلت قمة التوازن بين الفكرة والارتداء العملي، وقدّمت برهاناً على قدرة ماكدويل على الجمع بين المفهوم والفخامة في آن واحد. هنا تحديداً يتجلى نضج المصمم، الذي لا يكتفي بسرد القصص بل يترجمها إلى أزياء قابلة للارتداء بلمسة شعرية.
خطوة نحو المستقبل
هذه التجربة الأولى لماكدويل في مجال الـ Ready-to-Wear تؤكد أن المصمم بات جاهزاً ليخاطب جمهوراً أوسع من خلال لغة تصميمية أكثر انسيابية. وإذا ما تمكن في المواسم المقبلة من التخفيف قليلاً من حمولة الرموز الشخصية والتركيز أكثر على الخطوط، النسب، والقصات، فهو بلا شك يملك كل المؤهلات ليصبح اسماً ثابتاً على روزنامة أسبوع الموضة في لندن، وليس مجرد مصمم صاعد يبحث عن مكانه.
في النهاية، The Lancashire Rose ليست مجرد مجموعة أزياء، بل فصل مؤثر من سيرة شخصية تحولت إلى بيان جمالي يوازن بين الذاكرة والمستقبل، بين الحميمي والعام، وبين الحرفة والحلم.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.