نيللي عطّار، المتسلّقة اللبنانية والرياضية المتخصصة في الرياضات القصوى والناشطة في مجال الصحة النفسية والبدنية، تركت بصمة لا تُمحى في عالم تسلق الجبال، لتصبح أول لبنانية وعربية تتسلق خمس قمم من أعلى جبال العالم، بينها إيفرست وK2، الأكثر خطورة على الإطلاق. بدأت نيللي مسيرتها الرياضية في السعودية، حيث أسست أول استوديو للرقص وانطلقت في بناء أسلوب حياتها حول الحركة والتدريب، قبل أن تتتوسع نحو المرتفعات الشاهقة، حيث تجاوزت أكثر من 40 قمة في خمس قارات، وهي تطمح اليوم لإتمام تسلق جميع جبال العالم التي يزيد ارتفاعها عن 8,000 متر. رحلتها ليست مجرد تحدٍ جسدي، بل مثالاً حيا على الصبر، القوة الذهنية، وروح الجماعة، حيث تؤمن بأن الرياضة أداة لتمكين النساء وتغيير المفاهيم حول إمكانيات المرأة العربية. مسيرتها تجمع بين المغامرة، الإلهام، والمساهمة في بناء مجتمع رياضي متكامل في الشرق الأوسط. مع نيللي كان لنا الحوار التالي:
ما الذي ألهمك لاعتلاء أول جبل في حياتك؟ وهل خطر ببالك يوماً أن يقودك هذا إلى إنجاز تاريخي؟
كان عمري 17 عاماً فقط حين اصطحبني والدي في رحلة تسلق متعددة الأيام إلى جبل كينيا بعد تخرجي من المدرسة. لم أتخيل أبداً أن تكون تلك الخطوة الأولى بداية لمسيرة مهنية أو لإنجاز تاريخي لاحقاً. بالنسبة لي، كانت مجرد مغامرة عائلية لا أكثر.
تسلق القمم الخمس الأعلى في العالم إنجاز استثنائي، ما الذي دفعك إلى خوض هذا التحدي الطموح؟
لم يكن الأمر مُخططاً له منذ البداية. على مدى ست سنوات، وجدت نفسي أخوض تحدياً جديداً كل عام، سواء كان جبلًا أعلى أو أكثر تقنية. بدأت تسلق القمم التي تتجاوز 8000 متر منذ ست سنوات مع جبل إيفرست، ولم أتوقع أن يقودني ذلك إلى K2 أو ماكالو أو لوتسي. كل شيء حدث بشكل عضوي وطبيعي، رحلة تكشّفت مع الوقت. ما تطلبه الأمر هو جهد هائل وتدريب وانضباط مستمر، لكن لم يكن هدفًا مرسومًا بقدر ما كان شغفاً متجدّدًا بالمغامرة.
كيف تطورت تدريباتك من بداياتك في الصحراء السعودية إلى التحضير لتسلق قمم مثل كانغشينجونغا وماكالو؟
في طفولتي بالسعودية لم يكن لدينا أنشطة رياضية متاحة بشكل منتظم، بل كانت مجرد حصص ترفيهية مثل السباحة وكرة السلة. لكن في العشرينيات من عمري، حين عدت إلى السعودية بعد الدراسات الجامعية، بدأت أمارس الرياضة بجدية: الركض، التنزّه، والأنشطة الخارجية. مع الخبرة، تعلّمت كيف أُحضّر نفسي بشكل أفضل لهذه الجبال. تدريبي اليوم يركّز دائماً على "الصعود" سواء عبر الركض أو صعود الدرج أو تدريبات القوة. هذا المكوّن أساسي لأبقى في أفضل لياقة لمواجهة المرتفعات.
تحدثتِ كثيراً عن بناء "عقلية مضادة للكسر" — ما الاستراتيجيات الذهنية التي تساعدك على الصمود في الظروف القاسية؟
الثقة تأتي مع الخبرة. وكل محاولة فاشلة زادتني قوة وتحملًا للفشل. أدركت أننني سأكون بخير سواء وصلت للقمة أم لم أصل. لدي أيضاً إيمان عميق أن كل ما يحدث هو للأفضل. هذا التسليم يمنحني راحة وسلاماً. بالطبع، إيماني بالله هو مصدر قوة لا ينضب. وعندما تراودني أفكار سلبية، أُدرّب نفسي على التحوّل نحو الإيجابية والنمو. هذه العقلية لا تنقذني على الجبال فقط، بل في الحياة كلها بشكل عام.
كونك أول لبنانية وعربية تحققين عدة "أوائل" في عالم التسلق، كيف تنظرين إلى دورك في تمثيل المرأة العربية؟
أعتبره دوراً مهماً جداً. عندما كنت صغيرة لم أجد قدوة نسائية عربية في هذا المجال. آمل أن تُلهم إنجازاتي فتيات أخريات ليؤمنّ أن الرياضة يمكن أن تكون مهنة ورسالة، وليُدرجن الحركة والنشاط في حياتهن اليومية. الأمر ليس محصوراً بالنساء فقط، بل أتمنى أن يرى الجميع الرياضة كجزء من أسلوب حياة صحي ومُثمر.
منذ بداياتك، شهدت المنطقة تغييرات كبيرة في الثقافة الرياضية. كيف ترين هذا التحوّل؟
قبل أكثر من 10 سنوات، لم يكن هناك وصول حقيقي للنساء إلى الرياضة في السعودية. اليوم المشهد تغيّر كلياً: تراخيص للأندية النسائية، استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرياضية، فعاليات تُقام على مدار العام. أشعر أنني محظوظة للعيش في هذا الزمن والمساهمة فيه من خلال مشاريعي مثل استوديو الرقص ونوادي الجري. إنها لحظة فارقة للمنطقة، وأنا ممتنة أن أكون جزءاً من هذا التحوّل.
كيف أثّرت تجاربك على الجبال في فلسفتك حول الصحة النفسية والجسدية؟
خلفيتي الأكاديمية في الصحة النفسية، ووجدت أن الرياضة كانت وسيلتي للتعامل مع القلق وتقلبات الحياة. ممارسة الحركة باستمرار حسّنت كل جوانب حياتي: عملي، دراستي، إبداعي، وحتى مزاجي اليومي. بالنسبة لي، العقل والجسد وجهان لعملة واحدة. من خلال الرياضة، ساعدت نفسي والآخرين أكثر مما كنت أفعله في عملي بمجال الصحة النفسية. الحركة كانت وما زالت علاجا ووسيلة لفهم إمكاناتي الحقيقية.
ما هي أكبر خرافة يعتقدها الناس عن تسلق القمم التي تتجاوز 8000 متر؟
الكثيرين يظنون أن هذه القمم "مفتوحة للجميع" طالما لديك الموارد. الحقيقة مختلفة تماماً: تحتاج إلى سنوات من الخبرة، تدريب مكثّف، وتحمل مخاطر حقيقية. الصور عند القمم تُظهر لحظة المجد، لكنها لا تكشف عن التحديات والمخاطر التي نواجهها. حتى أكثر المتسلقين خبرة ليسوا محصنين أمام مخاطر هذه المرتفعات.
وأخيراً، ما الإرث الذي تأملين أن تتركيه خلفك؟
أريد أن يكون إرثي دعوة للجميع بأن يحلموا. قصتي دليل على أن كل إنسان قادر على "تسلق إيفرسته الخاصة"، حتى لو بدأ من مكان بسيط أو غير متوقع. أؤمن أن الحياة الحقيقية تُعاش بالصدق والشغف. كما أؤمن بقوة المجتمع، فلولا دعم عائلتي ومدرّبي وفريق عملي في MOVE، لما حققت ما حققته. أريد أن أترك إرثاً يقول إن الحلم ممكن، وأن المجتمع هو الركيزة التي ننهض بها جميعاً.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.