وسط الضباب وتساقط قطرات المطر على خلفية فيلا ألباني تورلونيا التاريخية في روما أخرجت ماريا غراتسيا كيوري المديرة الإبداعية لدار ديور Dior مجموعة كروز 2026 لتبدو وكأنها مشهد سينمائي أو عرض مسرحي بين مبنى تاريخي يعود إلى القرن الثامن عشر يضم مجموعة استثنائية من الآثار اليونانية والرومانية في تكريم واحتفاء بجذورها الإيطالية، وإرثها الروماني.
إلهام سينمائي
الإلهام السينمائي لمجموعة ديور كروز 2026 لم يقف أمام تنظيم العرض بصريًا بل ذهب ماريا غراتسيا كيوري إلى أبعد من ذلك وأدخلت أدق تفاصيل صناعة السينما في المجموعة من خلال تعاونها مع مشغل الأزياء الشهير تيريلي المعروف بعمله مع مخرجين مثل لوتشينو فيسكونتي لتنسج مجموعة بتقنيات أرشيفية وزخارف مسرحية، وقالت "لم نكن نريد التجربة فحسب، بل أردنا أيضًا أن نُظهر هذه الخفة، لنُظهر أن تصميم أزياء الأفلام يُشبه إلى حد كبير تصميم الأزياء الراقية"
تأثرت ماريا غراتسيا كيوري بشخصية آنا ليتيسيا بيتشي، المعروفة باسم ميمي بيتشي بلانت، أرستقراطية القرن العشرين، وراعية الفنون، ومؤسسة مسرح ديلا كوميتا، وهي مؤسسة ثقافية تاريخية اشترتها المديرة الإبداعية لديور مؤخرًا، وقامتا بترميمها، واشتهرت ميمي باستضافتها حفلات تنكرية فاخرة أبرزها حفل "بال بلان" لذلك طلبت من حضزر العرض الإناث ارتداء الأبيض، والذكور الأسود.
إرث روما العريق
كما يأتي المشهد السينمائي مليئًا بالتفاصيل والحركة والعروض المسرحية بعناصر الأزياء والديكورات كان الأمر مماثلًا في مجموعة ديور كروز 2026 مع إبراز قوي للهوية الرومانية، وتاريخ البلاد العريق لتروي التصاميم قصصًا تنقلنا إلى عصور النهضة من فساتين طويلة وفضفاضة تقترن بسترات هيكلية بارزة، وسترات عسكرية ذات حواف سوداء.
العنصر الأهم كان التصاميم الشفافة المرهفة تبدو كقصيدة رومانسية ترويها المصممة بالشيفون المنسدل، والدانتيل الحسي يغلب عليها اللون الكريمي والأبيض، مع تفاصيل دقيقة للكشكش تمنحها الطابع الديناميكي تبدو وكأنها تتحرك في مشهد سينمائي، وفساتين مخملية من الأحمر الكرزي الداكن والأسود تعيد إلى الأذهان ارستقراطية روما النبيلة، وفساتين من الدانتيل الأسود تبرز تناقض الخامة الشفافة مع غموض اللون.
تضمنت المجموعة حوالي مئة إطلالة مختلفة، من بينها حوالي 30 إطلالة تمّ تصميمها بأسلوب الهوت كوتور الذي ينطوي على عمل يدوي متقن وعلى قصات وتصاميم لا يمكن أن تتكرر، مما دفعنا للتساؤل ما إذا كانت الدار الفرنسية ستقوم بتقديم مجموعة هوت كوتور خلال الموسم المقبل، أم ستكتفي بهذه الفساتين التي أظهرت براعة ماريا غراتسيا في محاكاة روحية الملابس الراقية وإبراز أجمل ما فيها من تفاصيل.
ومن ناحية ثانية، برزت في المجموعة صيحة "الفساتين الشفافة" بقوّة على المنصة، حيث تكرّست الشفافية كلغة أساسية في العرض، من خلال أقمشة الدانتيل الرقيق والخامات الشفّافة التي كشفت عن أنوثة خفية بكل رقي. تدلّت الكشاكش على الأطراف بحركة راقصة، مانحة الإطلالات لمسة درامية ناعمة، فيما ازدانت الفساتين بتطريزات زهرية ولمسات لامعة أضافت عمقاً وأناقة إلى كل قطعة.
بعض التصاميم بدت وكأنها تحلّق بخفة الهواء، فيما احتضنت أخرى الجسد بدقّة وانسيابية، في توازن يبرع في تحقيقه إلا ماريا غراتسيا كيوري، التي أثبتت مرة أخرى قدرتها على الدمج بين الرقة والقوّة، وبين الحنين والحداثة. ومع انحدار الشمس خلف جدران الفيلا، بدا العرض كتحيّة شاعرية للإرث والجذور، تلامس في تفاصيله روح الحِرَف، وسحر الحكايات القديمة، ليُختتم العرض بتصاميم مطرزة لامعة تحاكي منحوتات المصارعين في روما بزيهم الشهير من الدروع لكنها استخدمت تقنيات الخداع البصري لتنهي العرض بقطع تجمع بين سحر السينما وتأثيراتها البصرية في الوقت ذاته تقدم تحيتها الخاصة لإرث روما التاريخي.
هل تغادر ماريا غراتسيا كيوري منصبها؟
لا يمكننا إغفال الشائعات التي تدور في أروقة صناعة الموضة منذ أشهر حول إمكانية مغادرة ماريا غراتسيا كيوري منصبها كمديرة إبداعية في ديور، وأن عرضها الأخير ربما يكون مجموعة كروز 2026 وخاصة بعد عرضها الساحر بالأمس الذي جاء لتحية موطنها مع ذلك لم تؤكد أو تنفي المجموعة المالكة لشركة ديور الأمر مما يثير المزيد من التكنهات، وأيًا كان القرار الذي تتخذه ماريا غراتسيا كيوري تظل إبداعاتها تحمل رسالة أعمق من مجرد أزياء رائعة بل تحولت ديور على يديها إلى لغة ثقافية تاريخية تتعمق في جذور الفنون وتحتفي بالمسرح والسينما والأدب والموسيقى وغيرها مع تسليط الضوء على الإبداعات النسائية من حول العالم لتصبح عروضها بمثابة تجارب ثقافية ممتعة.
مُحررة أخبار وكاتبة مقالات لموقع gheir.com، شغفي بصناعة الأزياء دفعني إلى التعمق و دراسة أصولها، بينما خبرتي الأكاديمية في مجال الإعلام جعلت مهنة مُحررة الموضة هي الأمثل لي، لأنقل لكم يومياً أخبار الأزياء و المجوهرات، و حوارات مع أهم شخصيات الموضة العالمية والعربية بجانب تحليلات أسبوعية تكشف كواليس و خبايا صناعتها.