في زمنٍ تتسارع فيه الموضة بوتيرة تكاد تكون مفرطة، حيث تتسابق العلامات لإنتاج أشكال جديدة وحكايات لم تُروَ بعد، اختارت دار فالنتينو بقيادة أليساندرو ميشيل، أن تقف عند عتبة مختلفة. فبدل الركض وراء "الجديد" بوصفه وعداً دائماً، جاءت الحملة الأخيرة بعنوان Le Méta Théâtre Des Intimités لتغوص في العمق، في طبقات المعنى والصورة، وتحوّل العرض إلى مسرح داخلي يواصل استجواب العلاقة المعقدة بين الهوية وطقوس التزيّن.
يعود أليساندرو إلى الحمّام العمومي كرمزٍ ومسرحٍ لافت، فضاء حدودي يجمع بين الخاص والعام، بين المرئي واللامرئي. في هذا المكان يتقاطع حب الظهور بالرصانة، والاحتشام بالانكشاف، لتولّد احتمالات غير متوقعة للأجساد والنظرات واللقاءات. إنه مشهد يثير تساؤلات: ماذا يحدث بعد العرض؟ كم من الحيوات والرغبات الخفية يمكن أن تحتضنها تلك المساحات الملتبسة؟
ما تطرحه فالنتينو هنا ليس مجرد حملة أزياء، بل مقاربة فلسفية ترى أن الموضة ليست استهلاكاً عابراً بل تراكم صور وأسئلة تشكّل طبقات وجودنا. فالظهور والكينونة يتطابقان، نحن نكون حين نظهر، والملابس تؤدي دور "الجلد الثاني" الذي نختار من خلاله كيف نطلّ على مسرح الحياة.
بهذا المعنى، تكشف الحملة عن قوة الموضة كأداة شعرية وسياسية في آن. فهي ليست ملاذاً خاصاً، بل مشهداً مشتركاً، حيث العمق لا يختبئ في الداخل بل يتجلّى عبر السطوح المتشابكة. إنها رؤية تؤكد أن الإرث الأثمن للموضة لا يكمن في ثباتها، بل في حركتها المستمرة، في قدرتها على تحويل الحميمي إلى خطاب عام يثير التفكير بقدر ما يثير الحواس.
بهذه الحملة، تواصل فالنتينو إعادة صياغة دور الموضة في العالم المعاصر: ليست فقط أزياء تُرتدى، بل مساحات تُعاش، وتُعرض، وتفتح آفاقاً لأسئلة جديدة حول هويتنا وجسدنا وعلاقتنا بالآخر.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.