في أسبوع نيويورك للموضة، حيث غالباً ما تتقاطع الأحلام مع الواقع، اختار مايكل كورس أن يقدّم عرضه لربيع وصيف 2026 بروح عنوانها "الهروب". لكن الهروب هنا لم يكن مجرد فكرة رومانسية، بل تحول إلى فلسفة كاملة تجسّدت في كل تفصيل من تفاصيل المجموعة. فبينما اصطحب رالف لورين جمهوره إلى البحر في عرض استوحي من الأمواج ورائحة الملح، فضّل كورس أن يغمر ضيوفه في صحراء مُزهرة بالصبار، زرعها في حديقة موقعه عند Terminal Warehouse في مانهاتن. المكان نسفه بدا كأنه دعوة إلى السفر الداخلي، حيث يتحول المشهد المديني الصاخب إلى واحة هادئة تحاكي رحلة مممتدة بين المغرب، النرويج، والغرب الأميركي، تلك المحطات التي زارها كورس وزوجه خلال الصيف الماضي.
تصاميم أكثر استرخاءً
ما يميّز مايكل كورس هو قدرته الدائمة على الموازنة بين أناقة مدينية راسخة وروح حرة أكثر استرخاءً. هذه الثنائية ظهرت جليّة في إطلالات العرض: سترات أنيقة مرفقة بسراويل "سروال" شفافة أو بفساتين ملفوفة أشبه بـ "الباريو"، بليزرات قصيرة الأكمام، وشورتات طويلة تحلّ مكان البناطيل الكلاسيكية. كل ذلك في لوحة لونية تحاكي الغروب بألوانه الدافئة، وكأنها تحية إلى مناظر يوتا الطبيعية وإلى المصمم الأميركي الأسطوري هالستون، الذي لطالما احتفى بالألوان الباستيلية والخطوط المتحررة.
تصاميم من مستوحاة من التغير المناخي
لكن بعيداً عن الجانب الجمالي، كان العرض بمثابة إجابة عملية على سؤال يواجه الموضة اليوم: كيف نلبس في زمن التغير المناخي؟ فالصيف لم يعد كما كان، والحرارة والرطوبة تفرض على المصممين إعادة التفكير في معايير الأناقة. كورس، وبكل صراحة، أشار إلى أن البدل الثقيلة والقصّات الضيقة "المغلفة بالجسم" لم تعد صالحة لهذا الزمن. وبدلاً منها، قدّم فساتين صيفية من كريب الصوف الناعم تنسدل بخفة عن الجسد، وتنانير وبلوزات تقطع الطريق على أي شعور بالاختناق، بالإضافة إلى قطع من الحرير بأشكال وشالات عملية تمنح الجسم حرية مطلقة. حتى معطف الترينش المصنوع من الجلد المثقوب، ورغم أنه قد لا يكون عملياً في مواسم الأمطار الموسمية، جاء ليؤكد أن الموضة أيضاً مساحة للتجريب والمتعة، لا للالتزام الجامد.
تحية إلى جيورجيو أرماني
اللافت أيضاً أن العرض حمل لمسة وجدانية، حين استعاد كورس ذكرى الراحل جورجيو أرماني، الذي وُصف دائماً بأنه المعلّم الأول للأناقة غير المتكلّفة. كورس اعترف بأنه، ما بين سن الثامنة عشرة والأربعين، كان يشتري سترة أرماني كل عام، وكأنها طقس خاص يمنحه شعوراً بالانتماء إلى مدرسة من البساطة المترفة. ولعلّ هذا الإرث تحديداً هو ما يظهر اليوم في مجموعته الأخيرة، حيث الأناقة لا تأتي من التكلّف بل من الراحة والثقة بالنفس.
برأيي، ما يجعل عرض مايكل كورس مميزاً هذا الموسم هو أنه يتجاوز حدود الصحراء والرحلة السياحية ليطرح أسلوب حياة كامل. أسلوب يقول إننا نستطيع أن نكون أنيقين من دون أن نتنازل عن راحتنا، وأن الموضة قادرة على مواكبة عصر سريع التغيّر من دون أن تفقد جوهرها. إنها دعوة صريحة إلى الهروب، نعم، لكن ليس من الواقع، بل إلى واقعٍ أجمل نصنعه بأنفسنا.
بهذه الروح، يؤكد مايكل كورس مرة أخرى أن علامته ليست مجرد ملابس تُعرض على منصات، بل تجربة كاملة تحاكي احتياجات المرأة العصرية ورغبتها في الحرية. مجموعة ربيع وصيف 2026 ليست فقط رحلة إلى الصحراء، بل هي رحلة إلى ذاتنا، إلى حيث نبحث جميعاً عن تلك المساحة الصغيرة من الهدوء، الأناقة، والقدرة على أن نتنفس بحرية.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.