قراءة في أول عرض لبوتيغا فينيتا من تصميم لويز تروتر | Gheir

قراءة في أول عرض لبوتيغا فينيتا من تصميم لويز تروتر

اسابيع الموضة  Sep 28, 2025     
اشترك في قناتنا على يوتيوب
×

قراءة في أول عرض لبوتيغا فينيتا من تصميم لويز تروتر

شكّل عرض بوتيغا فينيتا لربيع وصيف 2026 أحد أكثر اللحظات ترقباً خلال أسبوع الموضة في ميلانو. فمنذ تعيين المصممة البريطانية لويز تروتر في ديسمبر الماضي، كثرت التساؤلات حول كيفية تعاملها مع إرث الدار العريق، وما إذا كانت ستنجح في صياغة هوية جديدة تليق بتاريخها وتستجيب لتطلعات الحاضر. العرض الأول جاء أشبه ببيان افتتاحي، لم يقدّم إجابات نهائية بقدر ما رسم ملامح مسار واعد يجمع بين الاحترام للتقاليد والجرأة على إعادة صياغتها.

تركيز على الحرفية

منذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أن تروتر اختارت الانطلاق من جوهر بوتيغا فينيتا: الحرفية. لكن هذه الحرفية لم تُقدَّم كقيمة متحفية جامدة، بل تحوّلت بين يديها إلى لغة معاصرة. المعطف المصنوع بتقنية الـ Intrecciato بدا أشبه بجلد زاحف، عاكساً الضوء بطريقة تحاكي الطبيعة وتفوقها جمالاً. أما الرداء الطويل المنسوج من شرائط جلدية فائقة الرقة، فقد فرض حضوره كإحد أكثر القطع قوة على المنصة، مانحاً إحساساً بالدرامية الهادئة. وفي مقابل هذه الصرامة، قدّمت تروتر معطفاً بلون الدنيم الأزرق من الجلد الخفيف المزين بالريش، وكأنها تعيد تعريف توقيع الدار بلمسة شاعرية وأثيرية.
الحركة كانت المحور الآخر في العرض. التنانير المصنوعة من شرائط جلدية تمايلت مع خطوات العارضات لتولّد إيقاعاً بصرياً نابضاً، فيما أتت الفساتين ذات الطيات الدقيقة والمزينة بالشراريب لتطيل خطوط الجسد وتُضفي ديناميكية جديدة على القطع. لكن المفاجأة الأبرز تجلّت في الابتكار المادي: كنزات محبوكة من ألياف زجاجية معاد تدويرها، تلألأت تحت الأضواء بألوان برتقالية وحمراء وأزرق معدني، مبرزةً مزيجاً فريداً من المستقبلية والحسية في آن. هذا التجرؤ على المواد أثبت أن الأناقة لا تنفصل عن الابتكار، بل يمكن أن تولد منه.
على صعيد القصات، بدت تروتر واثقة في التعامل مع مفهوم البنية. الأكتاف العريضة والسراويل الطويلة التي لامست الأرض أعطت مظهراً جريئاً، وإن بدا في بعض الأحيان متعمداً في تضخيمه إلى درجة ابتلاع القامة. هذا التضاد كان مقصوداً، إذ قابلته فساتين من الحرير الباراشوتي بانسيابية أخف، تتدلّى أشرطة أكتافها برقة لتكشف عن بنية داخلية تعانق المنحنيات من دون أن تثقلها. النتيجة كانت لعبة توازن بين القوة والنعومة، بين الحضور الصارم والخفة المتحرررة.

لعب على النسب

الإكسسوارات بدورها لم تبتعد عن هذا الحوار بين الماضي والحاضر. أعادت تروتر تقديم حقيبة American Gigolo الشهيرة التي ارتبطت بالممثلة لورين هاتون، لكن بحجم أكبر ونقاء تصميمي يُبرز قدرتها على تجاوز الزمن. كان ذلك بمثابة إيماءة تقدير للإرث، من دون الوقوع في فخ الاستنساخ.

اللافت أن العرض لم يسعَ إلى تقديم "إجابة كبرى" عن هوية بوتيغا فينيتا الجديدة. بل جاء كمجموعة من الإشارات: الحرفية التي ارتقت إلى مستوى النحت، المواد التي أُعيد تعريفها، النسب التي توسّعت حتى المبالغة، والأنوثية التي استُعيدت من خلال الشفافية والملمس. كان الأمر أقرب إلى إعادة معايرة دقيقة، تمنح الوقت لتطوّر سردية أكثر وضوحاً في المواسم المقبلة.

بهذا الظهور الأول، أكدت لويز تروتر أن قيادة دار مثل بوتيغا فينيتا لا تعني فقط المحافظة على التاريخ، بل القدرة على إدخال روح جديدة في جسد مألوف. ما قدّمته لم يكن ثورة كاملة، بل مقدمة واثقة تعِد بالكثير. وبينما يستمر عالم الموضة في إعادة التفكير بمفاهيمه وهوياته، بدا عرض بوتيغا فينيتا كدعوة للتأمل: كيف يمكن للحرفية أن تتحول إلى مستقبل، وكيف يمكن للماضي أن يصبح بوابة لعبور زمن جديد.

النتيجة: عرض ربيع وصيف 2026 لم يكن إعادة اختراع جذرية، بل لحظة إعادة تموضع، بيان أولي مكتوب بلغة الجلد، الريش، والألياف الزجاجية. والرسالة واضحة: بوتيغا فينيتا تدخل مرحلة جديدة، أكثر ثقة، أكثر انفتاحاً، وأكثر وعياً بدورها كدار توازن بين التاريخ والحداثة.

عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.

اسابيع الموضة