فلسطيني الأصل، بريطاني الإقامة، تخصص في دراسة الرسوم المتحركة، ومن ثم انطلقت مسيرته الفنية في اتجاه مختلف تماماً: الخط العربي، إنه الفنان الرقمي جمال مصاروة؛ نتعرف اليوم إليه عن قرب، ليخبرنا عن منبع إلهامه لأعماله الفنية الأخاذة، وندخل إلى عمق خياله الفني.
في البداية، نحب أن نتعرف إليك، كيف بدأت ممارسة الفن، وأين درسته؟
أنا فنان رقمي (Digital Artist)، أقيم في لندن حالياً حيث أعمل مصمّماً حرّاً (Freelancer)، وعمري 32 عاماً. بدأت مسيرتي مع الفن منذ العام 2012، فكانت السنة التي انطلق فيها مشروعي ومعرضي الفني الأول الذي كان بعنوان "قناع". وحمل معرضي الأول هذا الاسم بوحي من شعوري بالحرية تجاه استخدام الخط العربي واللغة في الفن الحديث بدون قيود تحت قناع فني. وبعد لقائي بالجمهور لأول مرة من خلال المعارض التي عرضت فيها إنتاجي الفني في فلسطين تحديداً، حرصت على التركيز على الرسالة التي أحلم أن تصل إلى الجمهور من خلال أعمالي؛ إذ كان هدفي الأول هو لفت أنظار الناس من حول العالم للثقافة والفنون العربية، وفتح المجال أمامهم للتعرّف إلينا أكثر.
درست الفن في الجامعة، وإن كان تخصصي هو دراسة فنون الرسوم المتحركة، ولا علاقة له بالخط العربي، ولكن عشقي للغتي وهويتي هو أساس الأعمال التي أقدّمها.
كيف ترى نفسك وترى الأعمال الفنية التي قدمتها حتى الآن؟
لوحتي الأولى كانت بعنوان "الفن حرية"، وهو يُعدّ شعار حياتي الذي يرافقني في كل أعمالي، حتى أني قدمت معرضاً بنفس هذا العنوان. ركّبت الاحرف في عمل فني رقمي، وهكذا كشفت قدرتي على التصميم الرقمي والسيطرة على تصميم الخط العربي.
وصار للغة العربية أهمية وتأثير كبيران في السنوات الأخيرة، على الثقافة الغربية وفي عالم الموضة تحديداً، حتى وإن كنا اعتدنا رؤية فنون الخط العربي، لاستخدامها في الثقافة الشرقية وفي العالم العربي كشيء تقليدي. ولهذا، أحببت أن أقدّم شيئاً مختلفاً وخارجاً عن المألوف؛ فكان ذلك من خلال دمج ثقافتي في العالم الغربي، خاصة في مجالي الأزياء والموسيقى، باعتبار عالم الأزياء أحد أهم مصادر الإلهام لأعمالي الفنية.
ما الذي تتمنى أن يشعر به المشاهد أمام أعمالك ولوحاتك الفنية؟
مثلما يعبّر شعاري في الحياة "الفن حرية"، فلكل شخص كامل ومطلق الحرية لأن يرى أعمالي بطريقته وبعين خياله كما يتراءى له، ليصل إلى عمقها أو إلى شيء متميز فيها من وجهة نظره وبحسب رؤيته.
وهل تهدف لتكون أعمالك صدامية، أو تحمل قدراً من المواجهة مع متلقّيها، خاصة ونحن نرى أنها تطرح أسئلة وجودية؟
وأنا أصمم لوحاتي، يكون كل هدفي أن يعرف العالم أن اللغة العربية تستخدم في إبداع الكثير من الأفكار والتعبير عنها، لا مجرد أداة تقليدية، ومن خلال أعمالي أعبّر عن حريتي في التعبير عن الأشياء التي تحرّكني، وكيف أراها.
من خلال مشاهدة أعمالك، ندرك كم هي متجذرة في عمق الثقافة العربية؛ ولكن هل هناك رسالة معيّنة ترغب في أن توصلها من خلال أعمالك؟
رسالتي هي أن الفن هو مساحتي الحرة للتعبير عن أفكاري وأحلامي وكل شيء في داخلي، هو مساحة من الحرية لا يمكن لأحد أن يحاسبني عليها كما على أرض الواقع. الفن هو مساحة من الحرية بدون اعتبارات لمعايير الصواب والخطأ، وهو المساحة التي أتيح لي من خلالها الفرصة لاستخدام اللغة العربية، دون أي لغات أخرى. الفن هو رسالة عن الحرية بدون أي قوانين؛ فالفن في النهاية هو حرية بكل ما للكلمة من معنى. وكما يرافقني اقتباس من الشاعر محمود درويش "لنا في الخيال حياة"، أتصور أنها أكثر جملة يمكن أن تلائم وتصف أعمالي الفنية.
لماذا اخترت الإقامة في لندن على وجه التحديد؟ بمَ أو كيف تلهمك هذه المدينة؟
لندن من أكثر المدن التي أشعر فيها بحرية مطلقة، وتلهمني الكثير، لتنوع الناس والثقافات فيها من كل مكان من حول العالم؛ بالإضافة إلى المتاحف والمعارض الفنية الكثيرة المنتشرة حول المدينة، والتي تحمل فنون العالم إليّ، وهذا مصدر إلهام كبير طوال الوقت.
برأيك كفنان، هل يمكن للفن أن يحقق تغييرات كبيرة في العالم من حولنا؟ وما هي التغييرات التي تتمنى أن تراها تتحقق؟
برأيي الفن هو الحياة، يجمع بين الناس باختلاف مرجعياتهم وثقافاتهم، باعتباره أكثر وسيلة لا محدودة للتعبير عن الذات، ولأنه لا يوجد فيه قوانين أو تحديد ما هو صحيح وخاطئ. لذلك فإن كل عمل صادق نابع من أحاسيس مبدعه، يسهم في تغيير شيء على الأقل في العالم إلى الأحسن بلا شك.
متى تعرف أن أحد إبداعاتك قد وصل إلى الاكتمال؟
متى بدأتُ العمل على أحد لوحاتي، أشعر بالتوتر والإثارة المصاحِبة لبدء عمل جديد، نابع من داخلي. هذا الشعور بالتوتر لا يتركني إلا عندما أنهي اللوحة، وأراها في الواقع كما رأيتها بعين خيالي بل أفضل، لأني دوماً أبحث عن الكمال في عملي وفي كل اختياراتي الشخصية.
ما هي اللحظة التي تراها الأروع في مسيرتك الفنية حتى الآن؟
حين عُرض عليّ تقديم معرض في متحف الشعب الفلسطيني في واشنطن، وآخر في لندن. وحالياً أقدّم مجموعة من نسخ محدودة للوحات من تراب الماس وأحجار سواروفسكي الثمينة.
الفن حرية بلا قيود ولا قوانين، هكذا حلّقنا مع الفنان الفلسطيني جمال مصاروة في سماء الفن بحرية.