هل فكرت يوماً أنك قد تلتقين بشغفك في الحياة بالصدفة؟
هذا بالتحديد ما جرى مع
حنان الشهري، ابنة جدّة التي تخرّجت من دراسة التمريض لتعمل به لمدة سنتين، ثم انتقلت إلى عالم الأعمال لتعمل في مختلف الوظائف لثلاث سنوات، استقرّت بعدها في وظيفة يراها الكثيرون وظيفة الأحلام، من حيث المنصب والراتب واسم الشركة الشهيرة التي عملت فيها لخمس سنوات متواصلة. ثم في صدفة عابرة، تعرّفت إلى بعض أساليب اليوغا، وكانت تلك هي بداية انطلاقتها في عالم لم تعرف عنه جدّة سوى القليل في ذلك الوقت.
سافرت في رحلة إلى نيبال، لتكتشف عالم اليوغا الذي سحرها ووجدت فيه شغفها. ثم انطلقت إلى الهند، لتحصل على دورة تدريبية لتعليم اليوغا مدتها 200 ساعة التي زيدت فيما بعد إلى 500 ساعة. إضافة إلى ١٠٠٠٠ ساعة من الخبرة العملية.
تعلّمت فيها أن اليوغا ليست مجرد رياضة بدنية، بل هي رياضة روحية، تعلّمت كيف يتسامح الإنسان ويحب نفسه والآخرين ويتواصل مع أصوله وفطرته الداخلية، مثلما يتواصل مع الطبيعة من حوله. ومع توارد طلبات من صديقاتها والمقرّبات منها لتعليمهن اليوغا، وتزايد الحضور في جلساتها، قررت أن تكون معلمة يوغا، مهنياً واحترافياً، فافتتحت
ستوديو لليوغا، هو أحد أهم مراكز تعليم اليوغا في جدّة اليوم.
تعالي نتعرف إلى حنان الشهري عن قرب، ونستمتع بحديث دافئ، سيحرك شعوراً بالسلام داخلك بلا شك.
- شغفك باليوغا وصل إلى حد سفرك للخارج لتتعلّمي أصولها وفلسفتها وعدت إلى المملكة لتدريبها. إلى أي مدى كانت تلك الرحلة صعبة؟
لم يكن في مخيّلتي أبداً أن أكون معلمة يوغا بالتحديد، ولكن طوال عمري، ومنذ سن صغيرة، كنت أشعر بأن محرّكي الداخلي هو مساعدة الآخرين، وإن كنت لم أعرف الطريق لتحقيق ذلك، لكني في كل الوظائف التي شغلتها، بداية كممرضة لمدة سنتين، ثم في وظائف مختلفة في عالم الأعمال والدعاية والإعلان ومؤسسة قانونية، ثم حتى في آخر وظيفة في واحدة من أشهر الشركات العالمية، التي أمضيت فيها 5 سنوات، وعملت فيها مسؤولة عن التدريب والتطوير، حرصت أن يكون دوري يحقق للآخرين الدعم والمساعدة التي قد يحتاجون إليها. وطوال سنين عملي، كنت أشعر بالجميع يعانون من شعور طاغٍ بعدم الرضى ولا يشعرون بالسعادة؛ أغلب الناس يعيشون اليوم بيومه ويغلب عليهم الحزن وعدم الشعور بالقناعة والسعادة. وبصورة أو بأخرى كنت أعرف أن هذا الشكل من الحياة، ما أسمّيه "دوامة الحياة"، حيث يطغى على حياتي المشاعر السلبية، ليس هو شكل الحياة التي أتمناها لنفسي إطلاقاً.
رحلتي إلى نيبال فكرت فيها حين شاهدت برنامجاً وثائقياً مع والدي عن دولة نيبال التي وُصفت بأن شعبها هم الأسعد رغم أنها واحدة من أفقر الدول في العالم. شعرت أن ذلك نداء من ذلك البلد إليّ لأزوره، فاتّخذت قراري بالسفر فوراً وسافرت بمفردي خلال يومين. وبعد استكشافي للبلد، انضممت إلى مدرسة يوغا، في ترتيب بدا كأنه صدفة، ولكنه ترتيب قدري بطبيعة الحال. تعلّمت مبادئ اليوغا في هذه المدرسة، وإن كنت في تلك المرحلة لم أتصور أني سأكون معلمة يوغا، لكني تعلمت الكثير، وغيّرت تلك الرحلة إلى النيبال الكثير من نظرتي لأمور كثيرة. بعد عودتي إلى السعودية، أمضيت سنة كاملة أمارس اليوغا من خلال متابعة فيديوهات اليوتيوب بمفردي، أتعلّم أساليب التنفس الصحيحة، والتأمل، ووضعيات اليوغا. ومن هنا بدأ التغيير الكبير بعد هذه السنة. فقررت في تلك المرحلة أن أصير معلمة يوغا. كانت رحلة صعبة، غيّرت فيّ الكثير، لكنها كانت الرحلة الأجمل التي مضيت فيها حياتي والتي ما زلت مستمرة فيها حتى اليوم.
- هل واجهتك تحديات أو صعوبات عندما بدأت ممارسة اليوغا في المملكة؟
أول تحدٍّ واجهته كان نقص عدد معلمي اليوغا في السعودية، وندرة ستوديوهات اليوغا التي، إن وُجدت، كان يُمارس فيها أنواع عنيفة من اليوغا لم أكن أفضّلها. هذا بالإضافة إلى عدم معرفة الناس باليوغا بصورة صحيحة، فكثيرون كانوا يظنّونها مرتبطة بالبوذية أو بالهندوسية، ولم تكن معروفة كمفهوم ورياضة للكثيرين.
- من أين جاءتك فكرة الاهتمام بتعلّم اليوغا؟
بالإضافة إلى ما أوضحته في البداية، هناك ذلك الحدث الذي أتصور أنه أثّر في قراري لتعلّم اليوغا. لطالما كنت حريصة على ممارسة الرياضة بانتظام، ولكني لم أمارس تمارين التمدد (Stretching) بما فيه الكفاية؛ وفي أحد الأيام، نصحتنا المدرّبة بألا نتجاوز تمارين التمدد، لأنها تساعد الجسم على التعافي، وتخلّصه من شعور الإرهاق والتوتر العضلي. فبعد عودتي إلى المنزل، بحثت عن فيديوهات لتمارين تمدد، ووجدت أن بعضها له علاقة باليوغا، وذلك قبل رحلتي إلى نيبال بمدة. تجربتي لهذا النوع من تمارين اليوغا، غمرني بشعور جميل من الراحة، والتخلص من أي إرهاق، لدرجة أني نسيت أني جائعة وشعرت باسترخاء كبير. مر على هذا الحدث 7 سنوات، ولكنه كان أحد محرّكات شغفي تجاه اليوغا.
- من أو ماذا كان منبع إلهامك لتعلّم اليوغا؟ وأين ذهبت لتتعلّمي أصولها وفلسفتها؟
منبع إلهامي كان داخلياً كلياً. فبعد رحلة نيبال، زرت الهند وبالي، ولكني اتخذت خطوات أكبر في تعلّمها في الهند. اليوغا نفسها هي ملهمتي، بمفهومها الأصيل والحقيقي والتي تعني في أصلها "اتحاد"، فهذا المعنى دفعني إلى مزيد من البحث والدراسة والتعلم، لأفهم المقصود من مفهوم "الاتحاد"، وهو الاتحاد بين العقل والروح والجسد ومع الطبيعة، وهو ما شدّني لتعلّمها بعمق أكبر، وما زالت تلهمني لأفهم نفسي وأطورها في هذا المجال.
- مع الانفتاح التدريجي الذي بدأ يطرأ على المجتمع السعودي، هل ترين اهتماماً متساوياً من الجنسين لتعلّم اليوغا؟
مليون في المئة! لم أصدق أن في مثل هذا الوقت القصير كانت الأمور لتتغيّر كل هذا التغير. تنامي اهتمام الناس باليوغا لم أكن لأتصور أن يصل إلى تلك المراحل. فأياً كانت الأحوال التي يمرون بها، الناس ما زالت حريصة على عافيتها وعلى ممارسة اليوغا، لأنها تساعدهم على الشعور بالتوازن داخلياً وخارجياً، التوازن بين النفس ومتطلبات الحياة. فاليوغا تساعد على التعرّف إلى النفس بصورة أعمق، وتفهّمها وقبولها وحتى مسامحتها بنحو أفضل، تساعد على التنفس بطريقة أفضل والنوم أعمق، وتدريجياً تساعد على استيعاب أن كثيراً من الأمور في الحياة لا سيطرة لنا عليها، وأن نتقبّل تلك الحقيقة ولا نقاومها، فنصبح أكثر هدوءاً داخلياً، ويتساوى في الأمر، سواء في طلب ممارستها أو في تأثيرها، كلا الجنسين على حد سواء، وأراها مستمرة في الازدهار حول المملكة.
- عموماً، كيف ترين تغيّر حال المرأة السعودية من وجهة نظرك؟
ملهم للغاية! ففي كل مكان صرنا نرى النساء السعوديات يحققن نجاحات في مختلف الوظائف والمجالات، ووصلن إلى حق قيادة السيارة، وأرى ذلك التغيير جميلاً وملهماً، ويشعر النساء بالتمكين والقوة. وبالنسبة إليّ، لم أعانِ يوماً من أي كبت لأحلامي. لطالما سندتني أسرتي بالسعي وراء أحلامي، وشجّعوني لاقتناص كل الفرص في الحياة، ولاتخاذ أي طريق رغبت في تجربته في العمل أو الدراسة، بفضل انفتاح والدي الكبير على الحياة، رغم عمق وأصالة التقاليد والأعراف السعودية في عائلتنا وحياتنا. وأنا أدعو لكل امرأة سعودية، ما زالت لم تستطع بعد تحقيق أحلامها، وأتمنى أن تتمكّن قريباً من تحقيق طموحاتها وأمنياتها.
- لماذا اخترتِ اليوغا تحديداً؟ ولماذا ترين أن كل شخص يحتاج إلى تعلّم وممارسة هذه الرياضة؟
لأن اليوغا تعيد الروابط بيننا وبين أنفسنا وبين دواخلنا، وتساعدنا على التمهل وإبطاء إيقاع دوامة الحياة المتسارع قليلاً، على الأقل من خلال ممارسة التنفس الصحيح؛ تساعدنا على التخلص من أعراض الإرهاق المزمن الناتج عن التوتر والضغط النفسي والعصبي المستمرين بسبب شكل حياتنا المعاصرة، المتخمة بالمعارك في كل اتجاه، وتحديداً المعارك التي نخوضها مع أنفسنا داخل رأسنا؛ تساعدنا اليوغا على تقبّل أنفسنا والتسامح معها ومحبتها بصورة أفضل. وقد صارت اليوغا أحد العلاجات الموصوفة في أوروبا من الأطباء، للأشخاص الذين يعانون من أعراض التوتر والضغط العصبي المستمر، ليتمكنوا من الاسترخاء، والشعور بالراحة مع أنفسهم، وتبسيط أسلوب حياتهم قليلاً، وإبطاء إيقاعها بعض الشيء، ولو لبعض الوقت. ولا يعني ذلك أن حركات اليوغا سهلة وبسيطة، بالعكس، فبعضها صعب، ولكن صعوبتها مختلفة عن الرياضات الأخرى، فالألم الذي ينتج عن صعوبة حركات اليوغا، يساعد الجسم على التخلّص من صدمات وآلام وذكريات اليوم السلبية.
- كيف أثّر تعلّم فلسفة وأصول اليوغا على حياتك؟
علمتني أني كافية لنفسي وقوية، وأن عقلي ليس عدوّي، بل أداة قوية ومهمة فقط إن عرفت كيف أستعيد علاقتي الإيجابية بعقلي ونفسي.
- أثناء سفراتك المتعددة، هل قابلت تصورات أو أفكاراً غير حقيقية لدى الآخرين عن المرأة السعودية؟
التقيت بالكثيرين ممن لديهم أفكار خاطئة عن المرأة السعودية، وأنها مضطهدة ومقهورة، لا يمكنها الخروج ولا العمل، وما إلى ذلك من الأفكار غير الحقيقية؛ فحين يروني مستقلّة وطموحة وناجحة، وعلى الرغم من أني أمثّل نفسي فقط بطبيعة الحال، يغيّر ذلك تلك الأفكار بالتدريج، وأنا شديدة الفخر بكوني امرأة سعودية.
حوار حنان الشهري كان يشعّ إلهاماً وقوة وسلاماً نفسياً، لا شك أنها انتقلت إليك من خلال قراءتك لهذه السطور. تحية لها، ولكل امرأة سعودية وعربية تلهمنا الكثير من القوة والإصرار والتحدّي.
كلمات مفتاحيّة:
يوجا وتأمل،