في بعض الحالات النادرة، لا تعود المجوهرات مجرّد زينة تُرتدى، بل تتحوّل إلى أعمال فنية نابضة، تتجاوز قيمتها المادية لتصبح انعكاساً لحسّ إبداعي ورؤية تشكيلية. وحين تُصاغ الأحجار والمعادن الثمينة بأنامل فنان حقيقي، يتحوّل كلّ تفصيل إلى لغة بصرية تحنل بين طيّاتها العمق، والرمز، والهوية. هنا، تصبح المجوهرات فناً قائماً بذاته، يُعرض كما تُعرض اللوحات والمنحوتات، ويُحتفى به في أروقة المعارض والمتاحف.
من بين أبرز الأسماء التي تجسّد هذا التوجّه الفني في تصميم المجوهرات، تبرز سيندي تشاو، المؤسسة والمديرة الإبداعية لدار CINDY CHAO The Art Jewel، التي وعلى مدار عشرين عاماً، شكّلت نموذجاً فريداً لمصمّمة جمعت بين الحرفية العالية والنظرة النحتية المعاصرة، محوّلة مجوهراتها إلى قطع فنية لا تقلّ شأناً عن الأعمال التشكيلية الكبرى.
حيث لا حدود بين الفن والمجوهرات
تُعرف تشاو بقدرتها على صهر الحدود بين الفن والمجوهرات، مستخدمة تقنيات النحت والعمارة والحركة في تصاميمها التي تستحق التأمّل، بقدر ما تستحق الاقتناء. وفي مايو الماضي، خطت خطوة لافتة على هذا المسار، مع إطلاق مباررات فنية متعدّدة التخصصات في كلّ من شنغهاي وتايبيه، أعادت فيها تعريف العلاقة بين المجوهرات والفن المعاصر، من خلال عروض غامرة جمعت بين الضوء والمكان والتصميم.
وفي إطار احتفالها بمرور عشرين عاماً على تأسيس الدار، شاركت CINDY CHAO The Art Jewel للمرة الأولى في معرض Taipei Dangdai، أحد أبرز الفعاليات الفنية في آسيا. وعلى الرغم من وجود أسماء كبرى مثل Almine Rech وKarsten Greve، كانت تشاو الممثلة الوحيدة لعالم المجوهرات الفنية في هذا المعرض، ما شكّل علامة فارقة وفتح فصلاً جديداً من الحوار بين مجالي المجوهرات والفن التشكيلي.
المفاجأة كانت في بساطة العرض: قطعة واحدة فقط من مجموعة الذكرى العشرين – بروش اليعسوب، المصنوع من الألماس والياقوت، والمعروض داخل صندوق شفاف بتقنية مبتكرة تجعله يبدو وكأنه يطفو في الهواء. هذا التقديم الذي يحاكي الحركة الطبيعية لليعسوب أسَر الزوار وأثار إعجاب الصحافة، ليصبح أحد أبرز محطات المعرض.
وفي شنغهاي، حيث افتُتحت CINDY CHAO Maison عام 2020 في منطقة البوند التاريخية، احتفلت الدار بالذكرى الخامسة للمكان الذي يجمع بين المعمار والفن والمجوهرات. صُممت المساحة بالتعاون مع المعماري توم بوستما، والنحّاتة إنغريد دونا، والمصمّم هيرفيه فان دير سترايتن، وتحولت مؤخراً إلى ما يشبه "حديقة نحتية"، تستضيف قطع فنية لفنانين عالميين إلى جانب مجوهرات تشاو.
من La Luce لـ Carol Bove، إلى The Big Snail لـ Johan Creten، تتفاعل هذه المنحوتات مع قطع المجوهرات لتُظهر مفاهيم مثل الهيكل المعماري، والانسيابية العضوية، والتعبير التجريدي، وهي عناصر لطالما ميّزت أعمال تشاو.
بعيداً عن العروض التقليدية، ترى سيندي تشاو أن كلّ صالة عرض، وكل تفصيلة عرض، وكل قطعة مجوهرات، ما هي إلا امتداد لفلسفتها الفنية، وتجسيد لصوتها الإبداعي الداخلي. فهي لا تصنع المجوهرات لتُلبس فحسب، بل لتُحكى قصتها، ولتعيش في الذاكرة، كما يعيش العمل الفني في صالات العرض.
في زمن تتداخل فيه الفنون وتتلاقى فيه المدارس، تقف سيندي تشاو شاهدة على مستقبل المجوهرات بوصفها فناً ناطقاً، نابضاً، ومتحوّلاً — لا حدود له سوى الخيال.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.