في معرض Biennale des Antiquaires ، وعلى النور الخافت المنبعث من طاولات العرض التي زيّنت رواق الأناقة، هرع الزوار لرؤية آخر ابتكارات وورث وجان لانفان، وعدد من مصممي الأزياء الآخرين. وبالقرب منهم، كان كارتييه يعرض مئة وخمسين ساعة وقطعة مجوهرات، هي نتاج ثلاث سنوات من العمل. صُنعت بعض هذه القطع من أجل المعرض تحديدًا، ولذلك فُكّكت عند انتهائه. جذبت طاولات عرض كارتييه الكثير من الناس الذين أبهرتهم رؤية هذا العدد الكبير من القطع البديعة من المجوهرات. أما القطعة الأكثر إبهارًا، وهي طقم لا يُنسى عُرض على تمثال من الشمع داخل صندوق من الزجاج، فقد كان حديث الصحف لأيام طوال. أطلق على تمثال الشمع اسم "بيرينيس" في إشارة إلى الملكة التي أطلق اسمها على مجموعة من النجوم، فما كان من كارتييه إلا أن تبنّى الاسم لطقم المجوهرات، الذي شمل تاجًا، وبروشًا كبيرًا مرصّعًا بالماس والزمرّد، وعقدًا جريء التصميم. تألفت هذه القطعة الراقية من حلقة من البلاتين بلغ طولها حوالى ٦٠ سم، مزيّنة بالمينا الأسود ومرصّعة باللآلئ والماس. قُسّمت القطعة إلى عدة أجزاء متحركة، لتتدلى خلف الكتفين دون مشبك أو رباط. تألقت القطعة بثلاث زمرّدات قديمة واستثنائية، منحوتة وفق التقاليد المغولية.
بروش النخلة
ومن معروضات كارتييه المدهشة، بروش النخلة حيث تبدو طبيعة ياقوت "دم الحمامة" العميق والدافئ وكأنها ترتقي باللون الأحمر إلى قمم جديدة، ليصل اللون إلى تصنيف نبيل بحد ذاته.
في عام ١٩٨٦، ظهر بروش رائع على شكل نخلة في مزاد علني في جنيف. كان البروش قد صنعته كارتييه في عام ١٩٥٧ بناءً على طلب خاص. جذع النخلة وسعفها مصنوعة من البلاتين والذهب الأبيض، وهي أجزاء قابلة للتحرّك ومرصّعة بالماسات اللامعة وماسات باغيت. قطعة تشهد على براعة وحرفية لا تضاهيان. ولكن، بالإضافة إلى روعة تنفيذ البروش، فإن جاذبية القطعة الفعلية تجلت في سبع ياقوتات بورمية يصل وزنها الإجمالي إلى ٢٣.١٠ قيراطًا، وكانت تمثل ثمار الشجرة وتتدلى من سعف النخلة. انضم بروش النخلة إلى كنوز مجموعة كارتييه وهو منذ ذلك الحين نجم معارض كارتييه التي أقيمت في أفخم وأعرق المتاحف حول العالم. ظهر البروش على غلاف الكتالوغ المخصص لمعرض "فن كارتييه" في المتحف الوطني في سنغافورة في عام ٢٠٠٦.
اللؤلؤة الملكية
ابتكار بديع، ومعجزة آتية من أعماق البحر، تشعّ وتتألق من تحت الأمواج، نقية وكأنها تنتمي لعالم مختلف. من الهند حتى الخليج العربي، ومن بحر اليابان حتى البحر الأحمر، كريات حريرية بديعة، عشقها البحارة ورغب فيها التجار. فمنذ فجر الأزمان، تربعت اللآلئ على عرش جعل منها أحد أكثر الحجارة النبيلة روعةً وشهرة.
اللؤلؤة الملاكية التي عرضتها دار كارتييه في معرض بيينال باريس السابع والعشرين، هي من فئة اللآلئ الاستثنائية. من الممكن أن أصلها هو الخليج العربي، ويبلغ وزنها ١٦٦.١٨ حبيبة (حوالى ٨.٣ غرامات)، أما قياساتها المثيرة للإعجاب فهي ٢١.٨٢ملم× ١٧.٦مم×١٦.٤ملم). قطرة لؤلؤية متناظرة بديعة بظل فضي يجعل منها إحدى أجمل اللآلئ التي عرفها البشر على الإطلاق.
هذه اللؤلؤة، التي يمكن تشبيهها بسهولة بلؤلؤة بيريغرينا التي وضعتها كارتييه على عقد تزيّنت به إليزابيث تايلور في بداية سبعينيات القرن العشرين، يمكن اعتبارها لؤلؤة تاريخية بفضل خصائصها وميزاتها، دون أن ترتبط باسم ملكة لكي تكتسب شهرةً لا تضاهى. فهي لؤلؤة نادرة تتوافر فيها خصائص ومزايا يسعى وراءها الخبراء، فهي ذات أصول عريقة وجمال بديع تثبته الشهادات الرسمية. وبالإضافة إلى ما سبق، حافظت اللؤلؤة على لمعانها وتألقها، ولم يؤثر بها مرور الزمن.
زمرّدات تشيفور الخمس
على بعد مئتي كيلومتر من شمال شرق بوغوتا، وبين سفوح جبال الأندس، وعلى ارتفاع يكاد يبلغ ألفي متر، يقع منجم تشيفور الأسطوري، مادًا ذراعيه إلى السماء فوقه.
منذ متى وهذا المكان الموغل في القدم منبع لأجمل زمرّدات العالم بلونها الأخضر الداكن بظلال زرقاء بهية؟ لا أحد يعلم. يُعتقد أن شعب المويسكا الذي كان يقطن المنطقة قد استخرج الزمرّد منه منذ القرن الثالث عشر، وما من شك في أن منجم تشيفور قد منحهم أروع كنوزه قبل وصول الإسبان في عام ١٥٤٥.
اليوم، ما زال هذا المنجم القديم مقصدًا للباحثين عن الحجارة النفيسة، ولن ينقذه من أيديهم سوى اكتشاف منجم آخر. ولهذا السبب، يُعتبر زمرّد تشيفور، وخاصة عندما تكون قطعه كبيرة الحجم، جواهر نادرة ونفيسة بكل معنى الكلمة. وفي عام ١٩٩٤، عُثر على زمرّدة خام استثنائية بوزن ٢٥٠٠ قيراط في المنجم. تميّز هذا الحجر بنوعية مذهلة مكنت مقطعي الحجارة من صنع خمس زمرّدات مهيبة منه: اثنتان بشكل إجاصي وصل وزنهما إلى ٢٠٤.٩٧ و٢٠٦.١٢ قراريط تباعًا، وثلاث زمرّدات مثمنة الشكل بأوزان ٥٣.٨٤ و٥٨.٤٥ و٦٧.٨٧ قيراطًا.
وبالنسبة لكارتييه، فإن مثل هذه المجموعة المذهلة من الحجارة البديعة، الآتية من نفس الحجر الخام، كانت فرصة لا تعوّض لصناعة قطع تنافس في جمالها أبهى المجوهرات التي رآها العالم.
عقد الملكة ماري
كيف يمكن للمرء أن يعرض أكبر حجر زفير في العالم؟ هذا هو السؤال الذي حيّر لويس كارتييه لعدة سنوات بعد حصوله على هذا الحجر الاستثنائي الذي يزن ٤٧٨.٦٨ قيراطًا، والذي اكتُشف في سريلانكا في زمن غير معروف وقُطّع من حجر خام بوزن يصعب تخيّله.
أولى الأفكار التي خطرت ببال صانع المجوهرات في عام ١٩١٣ كانت تعليق الحجر الرائع من عقد سوتوار بديع مصنوع في كارتييه نيويورك وجُلب إلى باريس. عقد سوتوار من البلاتين والماس تباهى بستة حجارة زفير بهيّة، وصل إجمالي وزنها إلى ٢٢٤.١٠ قيراطًا. وعلى الرغم من روعة اللوحة المغطاة باللون الأزرق، غيّر لويس كارتييه رأيه. فمن أجل أن يبرز جمال الماسة السريلانكية الباهرة، طلب لويس كارتييه إزالة الحجارة السبعة الأخرى من عقد السوتوار. أما حجر الزفير، فقد علق بالعقد من خلال حلقة متدلية من الزفير. ولم تنتهِ القصة هنا. ففي عام ١٩١٩، قرّر كارتييه أن ينقل حجر الزفير، الذي ما زال متدليًا من حلقته، إلى عقد كان قد اشتراه للتوّ من أحد عملائه المخلصين، المليونيرة الأميركية نانسي ليدز. وفي هذه المرة، كان لويس راضيًا تمامًا عن النتيجة.
في عام ١٩٢١، اشترى ملك رومانيا فرديناند، عقد حجر الزفير البديع وقدّمه هديةً لزوجته المتألقة الملكة ماري وأصبح من القطع المفضّلة لدى الملكة، وقد ارتدته مرارًا في مناسبات كبرى، إلى جانب تاج من الزفير اشترته من عمّتها ماريا بافلوفنا، زوجة الدوق فلاديمير، بعد هروبها من روسيا.
في عام ١٩٤٧، وصل حجر الزفير الكبير، دون عقده، ولكن مع الحلقة الصغيرة المرصّعة بالزفير، إلى يد صانع مجوهرات، ويعتقد أنه اشتراه من الملك ميكايل، آخر ملوك رومانيا. أما العقد، دون حجر الزفير، فقد ارتدته آن بوربون بارما عند زفافها من الملك السابق ميكايل بعد عام من ذلك التاريخ. وفي ١٩ نوفمبر ٢٠٠٣، بيع حجر الزفير في مزاد في جنيف، مقابل أكثر من مليون يورو.
أما في عام ٢٠١٣، فقد أعار مالك الحجر قطعته الفريدة هذه إلى غراند باليه من أجل معرض "كارتييه: أسلوب وتاريخ"، وهناك، تربّع الحجر، للمرة الأولى، إلى جانب قطع بديعة أخرى من مجموعة كارتييه.