هناك قطع في الموضة تتجاوز حدود الزمن لتصبح أكثر من مجرد إكسسوار، بل رمز ثقافي وأيقونة للجمال. ومن بين هذه الرموز يبرز الحذاء الباي-كلور (ذو اللونين) من شانيل، الحذاء الذي صاغت به غابرييل "كوكو" شانيل تعريفاً جديداً للأناقة في منتصف القرن العشرين، وما زال حتى اليوم يفرض حضوره على منصات العرض وفي أزياء الشارع على حد سواء.
فكرة ثورية
الحقيقة أن ما يجعل هذا الحذاء مختلفاً هو أنه لم يولد من نزوة عابرة أو صيحة لحظية، بل من فكرة ثورية. ففي خمسينيات القرن الماضي، كانت الأحذية النسائية أحادية اللون، مصممة لتتماشى مع لون الفستان أو الطقم. لكن شانيل، التي لطالما كانت في موقع التحدي لما هو سائد، قدّمت في عام 1957 رؤيتها الخاصة: حذاء بلونين، بكعب صغير مربع بارتفاع خمسة سنتيمترات، وبرباط خلفي أنيق. الفكرة لم تكن جمالية فحسب، بل عملية أيضاً: اللون البيج لإطالة الساق، واللون الأسود في المقدمة لتصغير القدم ولحماية الحذاء من آثار السير في المدينة.
برأيي، هذا التوازن بين الجمال والوظيفة هو ما جعل الحذاء خالداً. فهو ليس مجرد قطعة لعرض الأناقة، بل رفيق يومي للمرأة التي تريد أن تبدو أنيقة دون التضحية براحتها. وهذا ما يفسّر كيف استطاع أن يتجاوز حدود عصره، ليظل مرغوباً حتى اليوم.
لكن علينا أن نعود قليلاً إلى ما قبل 1957 لفهم هذه الأيقونة بشكل أعمق. كوكو شانيل نسفها كانت تميل للأحذية الثنائية اللون منذ العشرينيات والثلاثينيات. فقد صُوّرت أكثر من مرة وهي ترتدي صنادل بكعوب رفيعة مزينة بأشرطة وبأطراف مزخرفة، أو صنادل بيج مع مقدمة سوداء على شاطئ الليدو في فينيسيا عام 1937. هذه الللحظات تكشف أن الحذاء الباي-كلور لم يكن مجرد ابتكار عابر، بل جزء من ستايلها الشخصي منذ سنوات طويلة.
اللافت أن أول نسخة رسمية من هذا الحذاء خرجت من مشغل Massaro، أحد أبرز صانعي الأحذية الباريسيين، الذي كان معروفاً بتصميم الأحذية الثنائية اللون للرجال. كوكو ببساطة التقطت الفكرة، أعادت صياغتها بروحها الثائرة، وقدمتها للمرأة كرمز للتحرر من قيود التقاليد. وها نحن أمام قطعة شكّلت نقطة تحول في علاقة المرأة مع الأحذية.
إعادة إحياء الحذاء الأيقوني
لا يمكن أن نتحدث عن هذا الحذاء دون ذكر إعادة إحيائه على يد كارل لاغرفيلد. هو نفسه وصفه بأنه "أكثر الأحذية حداثة، ويمنح الساقين جمالاً لا مثيل له". وفي عرض خريف وشتاء 2015-2016، أعاده إلى الواجهة كتحية مباشرة لكوكو، مثبتاً أنه ليس مجرد تصميم من الماضي، بل قطعة يمكن أن تتنفس في أي زمن.
اليوم، في ربيع وصيف 2025، يأتي هذا الحذاء في صياغات جديدة: كعوب عالية و مزدوجة، وموديلات Mary Jane بكعوب مرتفعة من الجلد الباستيل أو القماش العاجي، لكن دائماً بنفس التوقيع: طرف أسود من الجلد أو الغروغران. وكأن دار شانيل تقول لنا إن الأساس واحد، لكن طرق التعيبر عنه لا تنتهي.
برأيي، هذا التحديث الذكي يكشف عن فلسفة شانيل العميقة: الحفاظ على الرموز التي صنعت هوية الدار، لكن مع تجديدها باستمرار لتواكب مزاج المرأة العصرية. إنها معادلة دقيقة: وفاء للتاريخ، وانفتاح على المستقبل.
في النهاية، ما يميز الحذاء المزدوج الللون، هو أنه ليس مجرد أسطورة محفوظة في كتب الموضة، بل قطعة حيّة، تتكيّف مع كل حقبة وتستمر في إلهام النساء. إنه أكثر من حذاء، إنه وعد بأن الأناقة لا تعني التضحية بالراحة، وبأن الذكاء في التصميم يمكن أن يمنحنا الجمال والوظيفة في آن واحد. وفي رأيي الشخصي، هذه هي المعادلة التي تجعل أي قطعة جديرة بأن تُسمّى أيقونة.
عملت في مجال الصحافة والكتابة منذ سن الـ16، خرّيجة كلية الإعلام والتوثيق في بيروت، أقيم في دبي منذ 14 عاماً، حيث أعمل اليوم كمحررة ومديرة لموقع gheir.com، أشرف على المحتوى وأهتمّ بإدارة العلاقات مع العلامات الكبيرة في مجال الموضة والمجوهرات والجمال والفنون الجميلة على أنواعها. أقوم أيضاً بمقابلات حصرية فيما يتعلق بإصدارات دور الأزياء والمجوهرات، وتنفيذ جلسات تصوير وفيديوهات خاصة بالموقع.